سؤال وجواب

نبذة-عن-الحلاج


التصوف

كانت تنهض الحضارات العربيَّة في البلاد أجمع، بالعمل والتجارة والأدب والمعاملات وما إلى ذلك، ومن هذا التغيير كان الأدب يتخذ مجراه في التطور على يد مجموعة من الأدباء، هذا الأدب الذي رافق أفكار صاحبه ومعتقداته واقتناعاته، مثال ذلك شعر الغزل فالشاعر بعد أن يُحب يُنظم الأبيات لمحبوبه فيقف على أطلالها، ومثال ذلك أيضًا الشعر الصوفي فالشاعر هنا يتغلغل في تقواه وزهده ويبالغ في طاعته ولكن ضمن إطار الأدب فينظم الشعر طالبًا التقرب لله تعالى، وفي التاريخ فقد بدأ التصوف في العصور المتأخرة حيث أصبح له معالم واضحة، ففي مُجمل التصوف هو يريد تطهير النفس من الأدران، وتخليتها من هموم الدنيا، والتزام الأوراد والأذكار، وذلك حق ولكن دون مبالغة.[١]

الشعر الصوفي

بعد أن نهض الشعر بظهور الإسلام وتعدد أغراض الشعر، وخروجه من ثوب العصر الجاهلي وتتطوره، نهضت المواضيع تبعًا لذلك، فكان بعض الشعراء يتمثلون الإسلام على أكمل وجه، وظهر هذا الورع في شعرهم، وسُمّي بالشعر الصوفي، أو بشعر الزهد، وتتطور هذا الشعر بوجهه الكامل في العصر العباسي، حيث المساجد مكتظة بالوعاظ والنساك وأهل الحديث والفقه والورع في السنة النبويَّة، فكان الكثير من القصاص والوعاظ ينشدون في وعظهم وقصصهم أبياتًا وأشعارًا كثيرة، ومن هؤلاء المحدثين الشعراء مالك بن دينار، فهو يتحدث في مجالسه عن الموت وله أشعار مختلفة يتحدث فيها عن القبور وأهلها، وكثير من الشعراء كانوا يحجزون أنفسهم بحياة زاهدة حقيقية، فهم لا يقفون ماديحين على أبواب الخلفاء والوزراء، بل يكتفون من العيش بالكفاف، وإن عُرضت عليهم وظيفة أبوها حرصًا على دينهم ورفضًا لدنياهم، ومن هؤلاء الشاعر الخليل بن أحمد واضع النحو والعروض، وله في الشعر الصوفي بالزهد والعظة أبيات كثيرة، ولم يكن الشعر الصوفي منتشرًا بين الشعراء دون الشاعرات، فالشاعرة رابعة العدوية صوّرت في شعرها أروع ما يكون من الشعر الصوفي ومن التوظيف الفني الفريد، ومنهم أيضًا الشاعر الحلاج، كانت أشعاره تحمل السمة الجماليَّة المُبهرة، فالشعر الصوفي هو شعر رقيق وجميل رغم تزمت أصحابه وانغلاقهم عن سواه.[٢]

الحسين بن منصور الحلاج

وُلد الحلاج عام 1207، وهو الحُسين بن منصور الحلاج، وكنيته أبو مغيث أو أبو عبد الله، كان كثير الترحال فرحل إلى بلاد كثيرة منها مكة وخراسان والهند، ولكنه أقام في بغداد، فكان يدرس علوم الدين ومنها سلك طريق الصوفيَّة، على يد الشيخ سهل بن عبد الله التسترى، وكان يصحب جماعة كثيرة من المشايخ الصوفيَّة، أمثال ذلك محمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمد النصر أباذي وغيرهم الكثير، الذين كانوا يصححوا له حاله، ودونوا كلامه، حتى قال عنه ابن خفيف: الحسين بن منصور عالم رباني، وفي وفاته فقد توفي مقتولًا، أحل دمه القاضي أبو عمر محمد بن يوسف المالكي، وأُقيمت عليه البينة الشرعيَّة، وقُتل مرتدًا سنة 309هـ، ولما ذُهب به إلى القتل كان قد قال لأصحابه: لا يهولنكم هذا، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يومًا، فقتل ولم يَعد، ويوم مقتله كان الحلاج مشدودًا على الصليب الخشبي، وقبيل حزَّ رقبته، نظر إلى السماء وقال أشعارًا مناجيًا بها لله تعالى، لقد كانت أشعار الحلاج كثيرة إضافة إلى كتبه والتي منها كتاب الطواسين، وكتاب الحلاج.[٣]

عقيدة الحلاج

كانت عقيدة الحلاج مبنية على التصوف وعلى الجهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكًا فرديًا بين المتصوف والخالق، فطوَّر الحلاج النظرة العامة إلى التصوف، فجعله جهادًا ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع، وكانت لهذه العقيدة والأفكار التأثير الظاهر على السلطة السياسية الحاكمة في ذلك الوقت، وبسبب تلك الأفكار جادله الفقهاء والقضاة في آرائه، حتى وصل أمره إلى يد الخليفة المقتدر بالله، فأمر بقتله، ولكن هناك بعض الروايات التي تُلقي على الحلاج فساد عقيدته تلك، فقال أبو بكر بن ممشاذ أنه ذات مساء تم تفتيش بعض الرجال فوجدوا في مخلاتهم كتابًا للحلاج عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان، فسئل الحلاج عن ذلك، فأقر أنه كتبه، فقالوا له: كنت تدي النبوة وأصبحت تدعي الألوهية، فقال: لا ولكن هذا عين الجمع عندنا هل الكاتب إلا الله وأنا واليد آلة، لقد كان الكثير من معاصري الحلاج ينفرون من عقيدتها ويحالون مجابهته في سبيل الحكم عليه وعلى فكره وخلقه، وقال أبو بكر الصولي: قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلًا يتعاقل، وغبيًا يتبالغ، وفاجرًا يتعبد، والكثير من منتقدي الحلاج اللذين كانوا يصدون الباب أمامه.[٤]

الحلول والاتحاد عند الحلاج

في توضيح معنى الاتحاد والحلول، فالاتحاد هو شهود الوجود الحقّ المطلق، الذي الكل موجود به، ويتحد الكل به، والحلول هو حلول الألوهيَّة في البشريَّة، أو البشريَّة بالألوهيَّة، ويظهر في العديد من الأبيات التي كان يقولها الحلاج في الحلول والاتحاد والامتزاج مع الله، وحالة الفناء أنه لم يعد موجودًا، وأنه وجوده ووجود الألوهيَّة صار واحدًا، فيقول: توحيد توحيدي، وعصيانك عصياني، وكثيًرا ما كان يقع الحلاج في أخطاء كان سببها ضمير المتكلم والذي يستخدمه دون وعي منه، فيضطر بعد ذلك لإنكار بعض أقواله فيقول: من ظن أن الألوهيَّة تمتزج بالبشريَّة، أو البشريَّة تمتزج في الألوهيَّة فقد كفر، فإن الله تعالى تفرد بصفاته وذاته، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء، وكيف يتصور الشبه بن القديم والحديث، وكما يقال، فإنّ شعراء الصوفيَّة يشطحون في ضمير المتلكم دون وعي وإدراك منهم، فيقع وقتها اللبس على المتلقي.[٥]

قصائد الحلاج

كتب الحلاج قصائد كثيرة أغلبها كان عن التصوف، والعشق الإلهي، وعبَّر في شعره عن فلسفته الوجوديَّة أنَّ الله في كل مكان، وحملت أشعاره أفكاره وعقيدته، فكانت تدور حول الزهد والتقى وحُب الإله، وبذلك اتسم بلغته الخاصة، ومن أشعاره:[٦]

  • يقول في قصيدته المعنونة بالتلبيَّة:

لبّيك لبّيك يا سرّي ونجوائي

لبّيك لّبيك يا قصدي ومعنائي

أدعوك بل أنت تدعوني إليك فهل

ناديتُ إياك أم ناجيت إياني

يا عين عين وجودي يا مدى هممي

يا منطقي وعباراتي وإعيائي

يا كل كلّي يا سمعي ويا بصري

يا جملتي وتباعيضي وأجزائي
  • ويقول في قصيدته المعنونة بجواب في حقيقة الإيمان:

للعلم أهل وللإيمان ترتيب

وللعلوم وأهليها تجاريب

والعلم علمان منبوذ ومكتسب

والبحر بحران مركوب ومرهوب

والدهر يومان مذموم وممتدح

والناس اثنان ممنوح ومسلوب

فاسمع بقلبك ما يأتتيك عن ثقة

وانظر بفهمك فالتمييز مرهوب
  • ويقول في قصيدته جواب إلى شبلي:

يا موضع الناظر من ناظري

ويا مكان السر من خاطري

يا جملة الكل التي كلها

أحب من بعضي ومن سائري

تراك ترثى للذي قلبه

مُعلق في مخلبي طائر

مدلة حيران مستوحشٌ

يهرب من قفر إلى آخر
  • ويقول في قصيدته مراحل على الطريق:

سكوتٌ ثم صمتٌ ثم خرسُ

وعِلمٌ ثم وَجدٌ ثم رمس

وطينٌ ثم نارٌ ثم نورٌ

وبرد ثم ظل ثم شمس

وحَزنٌ ثم سهل ثم قفر

ونهر ثم بحرٌ ثم يَبس

وسكر ثم صحو ثم شوق

وقرب ثم وفر ثم أنس
  • ويقول في قصيدته الأهوال أمانات عند أهلها:

من سارروه فأبدى كلما ستروا

ولم يراع اتصالًا كان غشاشا

إذا النفوس أذاعت سر ما علمت

فكل ما خلت من عقلها حاشا

من لم يصن سر مولاه وسيده

لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا

وعاقبوه على ما كان من زلل

وأبدلوه مكان الأنس ايحاشا

المراجع[+]

  1. "منهج المدرسة الروحية (الصوفية) في الإصلاح المعاصر"، www.alukah.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019. بتصرّف.
  2. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول (الطبعة السادسة عشر)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 399-402. بتصرّف.
  3. "الحسين بن منصور الحلاج"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019. بتصرّف.
  4. "الحسين بن منصور الحلاج"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019. بتصرّف.
  5. "نظرية الاتحاد والحلول عند الحلاج"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019. بتصرّف.
  6. الحسين بن منصور الحلاج، ديوان الحلاج، صفحة 2-6. بتصرّف.