سؤال وجواب

مفهوم-الإيثار


مكارم الأخلاق

إنّ حسن الخلق من النّعم التي أنعم الله بها على عبادِهِ، وهو عبادة عظيمة أوصى بها الله تعالى، وإنّ مكارم الأخلاق من صفات الرسول -صلى اللّه عليه وسلم- بمحامد الأخلاق ومحاسن الآداب، وقالت عائشة واصفةً رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كان خلقه القرآن"، أي أنّه كان يتمثّل أخلاق القرآن الفاضلة، وقد أثنى عليه الله سبحانه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[١]وجماع حسن الخلق في بذل المعروف وكف الأذى، ومن مكارم الأخلاق العدل والأمانة والصّدق والوفاء، ومن خلال هذا المقال سيتمّ الحديث عن مفهوم الإيثار.[٢]

مفهوم الإيثار

الإيثار لغةً: التفضيل والتقديم، قال الله تعالى: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا}[٣] أي: لقد فضَّلك الله علينا، واختارك بالعلم والحِلم، والحُكم والعقل والملك، ومفهوم الإيثار شرعًا: "هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، رغبةً في الحظوظ الدِّينية"، وينشأ ذلك عن قوة اليقين، والمحبة المؤكدة الصادقة، والصبر على المتاعب والمشاقّ، فيقال: آثرته بكذا، أي: خصصته به وفضَّلته.[٤]

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَجُلًا أتَى النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَبَعَثَ إلى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: ما معنَا إلَّا المَاءُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "مَن يَضُمُّ أوْ يُضِيفُ هذا؟ " فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا، فَانْطَلَقَ به إلى امْرَأَتِهِ، فَقالَ: أكْرِمِي ضَيْفَ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَتْ: ما عِنْدَنَا إلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذَا أرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، ونَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أنَّهُما يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: "ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أوْ عَجِبَ، مِن فَعَالِكُما، فأنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ علَى أنْفُسِهِمْ ولو كانَ بهِمْ خَصَاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}[٥][٦]وفي هذا الحديث الشريف دلالة على مفهوم الإيثار.[٧]

درجات الإيثار

جاء في تفسير السعدي أن الإيثار هو: "أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس وبذلها للغير مع الحاجة إليها، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي"، وبعد الكلام عن مفهوم الإيثار، فقد قسّم ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه "مدارج السالكين" الإيثار، وجعله على ثلاث درجات، وهي:[٨]

  • إيثار الخلق على النفس: ويكون مفهوم الإيثار هنا في نطاق الأمور الدنيوية، من طعام وشراب وكساء، ولكن لا يكون في هدر الوقت الذي هو رأس مال الإنسان في مسيرته إلى رب العالمين، أو أن يؤثِرهم بماله فيصبح مستشرفًا للناس أو سائلًا، وكل ما يكون سببا لصلاح قلب العبد ووقته وحاله مع الله، فلا يؤثر به أحدًا، فإن آثر أحدًا به فإنّما هو مصيدة من مصائد الشيطان ليضلّ بها بني الإنسان.
  • إيثار مرضاة الله -سبحانه وتعالى- على مرضاة غير الله: ومفهوم الإيثار هنا متعلق بالله -سبحانه وتعالى- هو المحبوب الأعظم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ"[٩] وهي درجة الأنبياء، وأولاها به نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فإنه تجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب، وآثر رضا الله على رضا الخَلْق مِن كل وجه، ولم تأخذه في الله لومة لائم، فاحتمل أذى المشركين، حتى انتشر الإسلام وتمت النعمة من رب العالمين.
  • أن يلاحظ الإنسان أنه سبب وأن الله هو المسبب: وأنّه هو المعطي حقيقةً، فإليه -سبحانه وتعالى- يُنسَب الفضل، ومن مفهوم الإيثار هنا يعلم العبد أنه لا حول له ولا قوة، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

أقوال في الإيثار

من مفهوم الإيثار أنه من محاسن الأخلاق، فهو مرتبة راقية من مراتب البذل والكرم، ومنزلة عظيمة من منازل العطاء والسخاء، وهو خلق يدلّ على الصفاء والنقاء، وقد ورد في الإيثار الكثير من الحكم والأقوال، منها:[١٠]، منها:[١١]

  • قال أبو سليمان الدَّارني: لو أن الدنيا كلَّها لي؛ فجعلتها في فم أخ مِن إخواني لاستقللتها له.
  • قال يوسف بن الحسين: مَن رأى لنفسه ملكًا لا يصحُّ منها الإيثَار، لأنَّه يرى نفسه أحقَّ بالشَّيء برؤية ملكه، إنَّما الإيثَار ممَّن يرى الأشياء كلَّها للحقِّ؛ فمَن وصل إليه فهو أحقُّ به، فإذا وصل شيء مِن ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد أمانة، يوصِّلها إلى صاحبها أو يؤدِّيها إليه، وقال أيضًا: "إنِّي لألقم اللُّقمة أخًا مِن إخواني، فأجد طعمها في حلقي.
  • قال أبو حفص: الإيثَار هو أن يقدِّم حظوظ الإخوان على حظوظه في أمر الدُّنْيا والآخرة.
  • وقال بعضهم: الإيثَار لا يكون عن اختيار، إنَّما الإيثَار أن تقدِّم حقوق الخَلْق أجمع على حقِّك، ولا تميِّز في ذلك بين أخ وصاحب ذي معرفة.

صور عن الإيثار

بعد الكلام عن مفهوم الإيثار، فقد ورد العديد من القصص التي تتحدث عن الإيثار، وقد وصل الحال بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن آثروا إخوانهم بحياتهم، وهذا غاية الجود، ومنتهى البذل والعطاء، ففي غزوة اليرموك، قال عكرمة بن أبي جهل: قاتلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مواطن وأفرُّ منكم اليوم؟! ثمَّ نادى: مَن يبايع على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة مِن وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدَّام فسطاط خالد حتى أُثْبِتُوا جميعًا جراحًا، وقُتِل منهم خلقٌ، منهم ضرار بن الأزور -رضي الله عنهم-، فلمَّا صرعوا مِن الجراح استسقوا ماءً، فجيء إليهم بشربة ماء، فلمَّا قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه، فلما دُفِعَت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه، فتدافعوها كلُّهم مِن واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعًا ولم يشربها أحد منهم -رضي الله عنهم أجمعين-.[١٢]

المراجع[+]

  1. سورة القلم، آية: 4.
  2. "حسن الخلق"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  3. سورة يوسف، آية: 91.
  4. "معنى الإيثار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
  5. سورة الحشر، آية: 9.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3798، صحيح .
  7. "ويؤثرون على أنفسهم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
  8. "الإيثار"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2414، صحيح .
  10. "الإيثار خلق كريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-12-2019. بتصرّف.
  11. "أقوال وحكم في الإيثار"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
  12. "نماذج مِن إيثار الصَّحابة رضوان الله عليهم رابط المادة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019. بتصرّف.