سؤال وجواب

الفرق-بين-الحضارة-والثقافة


التراث الإنساني

تُعدّ الحضارة والثقافة من المكونات الأساسية للتراث الإنساني، ولا يمكن توضيح الفرق بين الحضارة والثقافة دون المرور بالعنوان الأساسي الذي تنتميان إليه وهو التراث، وقد وردت مجموعة من التعريفات لكلمة تراث في قاموس المعاني، منها ما يتركه الميت لورثته، والتراث أيضًا ما ينتقل عبر الأجيال من عادات وتقاليد وفنون وآدآب، والتراث كل ما تركه السلف من آثآر فنية كالعادات والتقاليد، والحضارة التي تنتقل عبر الأجيال، وكل ما يعده الجيل في وقت من الأوقات نفيسًا ومميزًا يدخل في تعريف التراث، وتدخل في تعريف التراث كلمتا الحضارة والثقافة، وسيوضح هذا المقال تعريف كل منهما، إضافة إلى وقفة عند الفرق بين الحضارة والثقافة.[١]

تعريف الحضارة

تُعرّف الحضارة على أنها الإقامة في الحَضَر، والحضارة هي التمدّن عكس البداوة، وتشير كلمة الحضارة إلى المرحلة المتقدّمة للتطوّر الإنساني، والحَضَر من الناس هم سكان المناطق الحضرية وسكان المدن والقُرى، كما يُشير لفظ الحضارة إلى التقدّم في المجالات العلمية والتقنية، والمعمارية، والأدبية بكلّ المميزات المحيطة في كل مجال من المجالات.[٢]

وهناك من يرى بأن الحضارة تشمل كل أنواع التقدّم والارتقاء الإنساني المستمر في أماكن العمران، ويرجع ذلك إلى أمور متعدّدة منها ما يتعلّق بوسائل العيش والأسباب التي تمكّن الإنسان من الحصول على المُتع الحسّية والنفسيّة، ومنها ما يُعنى بتحقيق الطمأنينة والأمن، وتحسين التعاملات بين الناس عبر تأمين أجواء أخلاقية وثقافية، إضافة إلى الجانب الفكري المتعلّق بالتحديد في أمور التطوّر والتقدّم الإنساني.[٢]

تعريف الثقافة

كثيرًا ما يخلط الناس بين مفهومي الثقافة والحضارة، ولمعرفة الفرق بين الحضارة والثقافة لا بد من تعريف الثقافة، بعد أن سبق تعريف الحضارة، حيث تُعرّف الثقافة لغة على أنّها الذكاء وسرعة التعلم، والمعارف، والفنون، ويُقال: ثَقفت القناة أي أقمت اعوجاجها، والرجل الثَقِف هو الضابط لما يعرف، القائم به.[٣]

ويُقصد بالثقافة القدرة على الاستمرار في التعلُّم، والثقافة أيضًا هي الارتقاء في الأفكار من الجانب النظري في كافة جوانب الحياة السياسية والقانونية، والأخلاقية، والإلمام بالقضايا التاريخية المهمة، ويُعنى بالثقافة أيضًا العلم الذي يبحث في الدين وتفصيلاته في شؤون الحياة المختلفة.[٣]

الفرق بين الحضارة والثقافة

يُشير الكاتب والمفكّر علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب، إلى الفرق بين الحضارة والثقافة بتفاصيل دقيقة توضّح حدود تعريف كل من المفهومين، ويمكن إجمال الفروق في النقاط الآتية:[٤]

  • الثقافة ترتبط بالجانب الروحي، أما الحضارة فترتبط بالتبادل بين الإنسان والطبيعة: ويُقصَد بذلك أن الثقافة مرتبطة بالتمهيد السماوي، أي علاقة الإنسان مع الأسئلة الوجودية وأصوله الأولى، وثقافة الإنسان ترتبط بجهاده الحقيقي لفهم علاقته مع الكون، أما الحضارة فهي استكمال للتبادل المادي بين الطبيعة والإنسان، بحيث يستثمر الإنسان الطبيعة بما يناسب احتياجاته.
  • الثقافة هي تأثير الدين على الإنسان، أما الحضارة فهي تأثير الإنسان على الطبيعة وعلى العالم الخارجي: ومن هنا يتضح أن الثقافة تُعنى بالجانب المعنوي والروحي للإنسان، أما الحضارة فمعنية أكثر بالجوانب المادية من بناء البنايات، والعمارة، والتقدم التكنولوجي.
  • حامل الثقافة هو الإنسان وحامل الحضارة هو المجتمع: ويُقصد بذلك أن الثقافة هي قوة ذاتية أساسها التنشئة، فبالتنشئة يبدأ الإنسان رحلة الفهم، وتلقي الإجابات عن الأسئلة التي تتعلق بوجوده، ومفاهميه الروحية، ومع الوقت إما أن يُغذّي الإنسان الجانب الروحي فيه أو يهمله فيتراجع أو يتوقف، أما الحضارة فهي سعي الإنسان للتعايش مع الطبيعة وتسخيرها والتعامل معها عبر العلم والتعلُّم.
  • الحضارة تُكتسب بالتعلُّم أما الثقافة فتُكتَسب بالتأمل: فالنشاط الذي يُنمّي الثقافة هو نشاط جواني وجداني، على العكس من النشاط الذي يُنمّي الحضارة فالحضارة تنمو بالعلم والتعلُّم وجمع المعلومات، ومحاولة الوصول إلى الحقيقة، وربط الحقائق بعضها ببعض.

وملخص الفرق بين الحضارة والثقافة أن الحضارة هي التطوّر المادي الذي يحققه الإنسان، وهي تركّز أكثر على الجوانب المالية والاقتصادية والعمرانية، أما الثقافة وبسبب أصلها الديني فإنها تُقلّل من التركيز على حاجات الإنسان الشهوانية والجسدية المادية، وتوسع مدار الحاجات الجوانيّة للإنسان، وهو ما يفسر ظهور أنواع من التنسُّك وإنكار الذات.

أهمية المحافظة على المكونات الثقافية والحضارية

بعد التعرّف إلى الفرق بين الحضارة والثقافة، تجدر الإشارة إلى أن مكانة الأمة والمجتمع تُقاس بمدى المحافظة على التقدّم الحضاري، والوجود الثقافي، ويمكن تلخيص أهمية المحافظة على المكوّنات الثقافية والحضارية في النقاط الآتية:[٤]

  • الوعي بالذات والوجود الأصيل للإنسان: الأمر الذي يحقق التوازن النفسي للإنسان، ويُرسخ جوانب هويته ويحددها، فالثقافة تمكّن الإنسان من معرفة هويته، ومعرفة الهوية يُحقق التوازن الإنساني.
  • التقدم العلمي والتكنولوجي المستمر: فإدراك الإنسان لمفهوم الحضارة يدفعه إلى السعي الدائم إلى التقدّم والدراسة والبحث والعلم، من أجل فهم علاقته مع الطبيعة ومحاولة استثمارها بالطريقة المُثلى.
  • محاولة خلق توازن بين الثقافة والحضارة: لأن فهم الإنسان لذاته ولمعنى الثقافة والحضارة يُمكّنه من تحقيق الانسجام مع الكون، فالحضارة تزيد من اعتماد الإنسان على المادة، والانغماس فيها يخلق إنسانًا ماديًا، والثقافة تُعنى بالجوانب الروحية والشعورية، والانغماس فيها يخلق إنسانًا منعزلًا عن الحياة، والوعي هو الأساس لتحقيق التوازن.
ويُلاحظ مما سبق أنّ الوعي بالمكونات الثقافية والحضارية يحقق التقدم على المستويين الفردي والجماعي، لأن الوعي بمفهوم الثقافة والحضارة يخلق فهمًا عميقًا لطبيعة الحياة التي يحياها الإنسان، وهي حياة لا يمكن أن تكون متوازنة إذا تم الاعتناء بجانب وإهمال الآخر، فالمجتمع الذي يلهث خلف تأسيس حضارة فقط هو مجتمع مادي مفرغ من الأحاسيس العليا، يعيش في تخبط وجودي مهما حاول أن يتوازن، والمجتمع الذي يُكرّس حياته للجوانب التأملية سيُعاني من تأخر واضح في التقدّم والعمران، والأصل هو التوازن بين إثراء الثقافة والحضارة حتى يُحقق الإنسان ذاته الحقيقية وسبب وجوده على الأرض، وقد كان ما سبق بيان الفرق بين الحضارة والثقافة إضافة إلى أهمية المحافظة على مكوّنات كل منهما.[٥]

المراجع[+]

  1. "تعريف و معنى تراث في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-13. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "مفهوم الحضارة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-13. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "تعريف الثقافة لغة واصطلاحا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-13. بتصرّف.
  4. ^ أ ب علي عزت بيجوفيتش (2014)، الإسلام بين الشرق والغرب ( الطبعة الرابعة)، القاهرة : دار الشروق، صفحة 107. بتصرّف.
  5. علي عزت بيجوفيتش (2014)، الإسلام بين الشرق والغرب، الأردن: وزارة الثقافة ، صفحة 108. بتصرّف.