حكم-التبني-في-الإسلام
محتويات
مفهوم التبني
للتبني معنى محدد لا يختلط بغيره من المصطلحات الشرعية، فالتبني هو ادعاء الرجل لبنوة ولد من غير صلبه، وقد يكون هذا الولد مجهول النسب وقد يكون معلومه، فينسبه إليه بين الناس يرث منه ويرثه هو، وقد تفشت ظاهرة التبني كثيرًا في الجاهلية، حيث كان الرجل يُعجب بشخص فيضمه لعائلته، وقد كانت العرب تستخدم لفظ ادعاء الذي يدل على معنى كلمة التبني، فتقول ادعى فلانٌ فلانًا أي ضمه إليه وإلى نسبه، وقد ورد لفظ أدعياءكم في سورة الأحزاب، للدلالة على الشخص المُتبنى، وسيدرج المقال حكم التبني في الإسلام.[١]
مرادفات مصطلح التبني
بعد البحث في مفهوم التبني وعلى ماذا يدل، كان لا بد من الإشارة إلى بعض المصطلحات التي قد يجد الباحث بعض اللبس في معناها، ومن هذه المصطلحات ما يأتي:[٢]
- الإقرار: هو أن يقر الأب أو الأم ببنوة ولدٍ مجهول النسب، فيصححان بذلك نسبه ولكن بشرط أن لا يلحقا به العار أو يشوها سمعته، وفي حال أقر أحد الأبوين بنسب هذا الولد، لا يعد بإمكانهما التراجع عن هذا الأمر، ويختلف الإقرار عن التبني أن الإقرار يكون فقط بالولد المجهول النسب، أما التبني فيكون لمجهول أو لمعلوم النسب، بالإضافة أن الإقرار موجود وصحيح بالشريعة الإسلامية، أما حكم التبني في الإسلام فهذا ما سيوضحه تتمة المقال.
- الاستلحاق: وهو أن يُلحِق الرجلُ الولدَ بنسبه للشبه الظاهر بين هذا الولد والرجل، والاستلحاق خاص بالأب دون الأم، وهو يختلف عن التبني أن الاستلحاق يكون في الولد المجهول النسب فقط، أما التبني فيكون في مجهول ومعلوم النسب، ويختلف حكم التبني في الإسلام عن حكم الاستلحاق، فالاستلحاق هو نفسه الإقرار عند المذهب الحنفي -وهو أحد المذاهب الأربعة-.
- اللقيط: وهذا يكون بحق الولد الذي وُجِد في مكان غريب يصعب التعرف عليه من هذا المكان، أو التعرف على ما يدل على نسبه، وادعاء نسب اللقيط يقوم في الحقيقة على رد هذا اللقيط لنسبه الحقيقي، فهو يحمل نوعًا ما معنى الإقرار، في حين أن التبني لا يحمل معنى رد النسب الحقيقي للمُتبنى.
قصة تبني الرسول لزيد
لقد ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة أنه عندما تزوج رسول الله من السيدة خديجة كان عندها غلام اسمه زيد بن حارثة، وقد أهدته للنبي ليبقى في خدمته، وأثناء الحج جاء أهل زيد إلى مكة رغبةً منهم بفدائه، ودفع ثمن عبوديته ليكون حرًا، وعندما طلبوا هذا الأمر من النبي، رفض أن يعطيهم أي وعد أو عهد حتى يسأل زيد، وعندما حضر زيد بن حارثة خيره رسول الله من أن يبقى معه أو يذهب مع أهله من غير مقابل، فاختار زيد أن يبقى عند رسول الله، فغضب أبوه وعمه وقال له أبوه: ويحك أتختار العبودية على أن تكون حرًا، وعند ذلك أمسك الرسول يد زيدٍ وقال: أشهدوا يا أهل مكة، إن زيدًا ابني يرثني وأرثه وهو الآن زيد بن محمد، ولم تحدث هذه القصة مع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا تقديرًا وترتيبًا من رب العالمين، ليهيىء النفوس لتتقبل حكم التبني في الإسلام الذي سيوحي الله به لنبي هذه الأمة، بعد أن تشبثت به النفوس في الجاهلية.[٣]
حكم التبني في الإسلام
لقد قدر الله سبحانه وتعالى أن يكون هدم عادة التبني التي تشبثت بها نفوس العرب في الجاهلية، على يد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم، والذي اعتاد أن ينفذ أحكام رب العالمين قولًا وفعلًا، ومن أجل هذا كتب الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد أن يتبنى زيد بن حارثة، ليكون هدم هذه العادة وبطلانها درسًا عمليًا.[٤]
وفي البحث عن حكم التبني في الإسلام تبين أنه محرمٌ شرعًا، وذلك لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}،[٥]فهذا نصٌ صريحٌ ببتر هذه العادة الجاهلية، وبردِ الأبناء لآبائهم الحقيقين، وقد ورد عدة أحاديث في كتب الصحاح يحرم رسول الله فيها التبني، فقد روى عبد الله بن عباس، أن رسول الله قال: "مَن انتَسبَ إلى غيرِ أبيه أو تولَّى غيرَ مواليهِ فعلَيهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ والنَّاسِ أجمعينَ"،[٦]وقد روى أيضًا أبو ذر الغفاري حديثًا عن رسول الله قال فيه: "ليس من رجلٍ ادَّعَى لِغيرِ أبيهِ؛ وهوَّ يَعلَمُهُ إلَّا كَفَرَ".[٧][٤]
وبالاستناد إلى الأية السابقة وهذين الحديثين، اتضح أن حكم التبني في الإسلام يعد من كبائر الذنوب، التي تلزم المسلم التوبة، وفي حال تبنى أحدٌ طفلًا ما وهو يجهل هذا الحكم، فلا حرج عليه، وعليه أن يصلح هذا الأمر، وإن اقترف هذا الإثم مع علمه بحرمانيته، ثم ندم وأقرَّ بذنبه فيجب عليه التوبة، فالتوبة تجب الذنب الذي قبلها، والله أعلم.[٤]
الحكمة من تحريم التبني
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان كان على علم بنوازعه البشرية، ومشاعره الإنسانية، وقد وضع له الكثير من الحدود والحواجز كيلا يقع في الأمور المحرمة عليه، ومن هذه الحدود كان البت بأن حكم التبني في الإسلام محرم، فالأبناء بالتبني ليسوا من صلب الرجل ولم تثبت لهم البنوة الحقيقة، ومع ذلك كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء الحقيقين.[٨]
وهذا يؤدي إلى استحلال الحرمات من حدوث الخلوة بينهم وبين من لا يحل لهم، وما يحدث من تبعات كالمصافحة والنظرة واللمس وغيره، بالإضافة إلى أن الشخص المتبنى سيقتطع مالًا ليس من حقه في ميراث تبناه، وسيورث هذا الشحناء والبغضاء بين الولد المتبنى وأولاد من تبناه، والإسلام ما جاء ليدعو لهذا، ويؤدي التبني إلى اختلاط الأنساب وضياعها، فحمى الله سبحانه وتعالى أمة محمد من كل هذا بتحريم التبني.[٨]
الفرق بين التبني وكفالة اليتيم
قد يقع الكثيرون في هذا اللبس، فيقول أحدهم أن تبني الغلام من باب كفالة اليتيم، فجاء رد الشرع على كلامه وادعائه كحدٍ فاصلٍ، بين كفالة اليتيم والتبني، فالتبني كما ورد هو سلخ الولد من اسم عائلته، وإلحاقه به حتى يُعرف باسم من تبناه، ويتناسى الجميع اسم عائلته، كما حدث مع المقداد بن الأسود الذي نُسب للأسود وهو من تبناه، وأُغفل ذكر والده وهو عمرو، وهذا من فعل الجاهلية والإسلام منه بريء.[٩]
أما كفالة اليتيم فهي ما حث عليه الإسلام من الاهتمام بشؤون اليتيم ورعايته، وهي تقوم على ضم اليتيم لأهل البيت والتكفل بأموره، ولكن يبقيه على نسبه واسمه، فلا يحل له الحرام ولا يحرم عليه الحلال، وقد قال الله - سبحانه وتعالى - بحق اليتيم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}،[١٠] وعلى هذا فإن التبني لا يمكن أن يقاس على كفالة اليتيم بحالٍ من الأحوال، لأن حكم التبني في الإسلام محرم أما كفالة اليتيم مما حث عليه الشرع.[٩]
وإذا أراد أحدهم التحايل على الشرع، بأنه يريد التبني ليعطي لهذا الغلام اسمًا، يقدر به على الاختلاط والتعايش مع المجتمع، فسيقول له الشرع، أنه يستطيع أن يطلق عليه الأسماء التي تحمل معنى العبودية لله - سبحانه وتعالى -، كصالح ابن عبد الله أو عبد الله ابن عبد الرحيم أو محمد ابن عبد القادر، ويصبح تربيته لهذا الغلام من غير تبني في منزله جائزة ومن باب الإحسان.[١١]
فيديو عن حكم التبني في الإسلام
ودائمًا ما تساعد الأمور المرئية على شرح الفكرة بشكل موضح، فيُنصح بمشاهدة الفيديو الآتي الذي يتحدث فيه فضيلة الدكتور بلال إبداح عن حكم التبني في الإسلام، ويكشف اللثام عن بعض الأمور المبهمة التي تحتاج لإيضاح:[١٢]
المراجع[+]
- ↑ " تبنّي "، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ↑ " الألفاظ ذات الصّلة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ↑ "ملخص قصة زيد بن حارثة "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "التبني محرم في الإسلام "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 4.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2130، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 5431، صحيح.
- ^ أ ب "مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ^ أ ب "الفرق بين كفالة الأيتام وتبنيهم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 220.
- ↑ "حكم تبني الأطفال "، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.
- ↑ "حكم التبني في الاسلام"، www.youtube.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-27. بتصرّف.