حكم-كفارة-اليمين
محتويات
الكفارة
الكفارة: جمعُها كفّارات، وهي كلمة تحملُ معنى الاسترضاء، فهي عملٌ يحملُ وجهين، أولهما هو إرضاء غضب شخص لإساءة حدثت إليه مسبقًا، وثانيهما هو المصالحة مع هذا الشخص، والكفارة في الفقه هي ما يستغفر به الآثمُ من صدقةٍ أو صومٍ أو نحوهما، ككفارةِ اليمين، وكفّارة الفِطر، وكفّارة تركِ بعضِ مناسكِ الحجِ، وغير ذلك من الأمور التي توجب الكفارة في الإسلام، وسمِّيت بذلك؛ لأنّها تكفّر الذّنوب، وهذا المقال مخصّصٌ للحديث عن حكم كفارة اليمين في الإسلام، وحكم الحلف بغير الله وحكم يمين الطلاق في الإسلام.
الحكم من تشريع الكفارة عن الذنوب
إنَّ كلَّ ما نزّلَ الله تعالى من شرائعَ وأحكامٍ، نزَّلَهُ بحكمة بالغة، فالله هو الحكيم العليم، والذي لا يخفى على عينه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السماء، والحكمة من تشريع الكفارة عن الذنوب في الإسلام تكمن في صونِ الشريعة من التلاعب بها و انتهاكِ حرمتها، كما أنَّها تطهّرُ نفسَ المسلمِ من آثار ذنب المخالفة التي ارتكبها بغير عذر، ومن هنا كان ينبغي أن تُؤدّى الكفارة على النحو الذي شُرِّعتْ بهِ، كمّيّة و كيفية؛ حتَّى تنجح في أداء مَهمتها بإزالة الذنب و محو آثاره عن النفس، ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- لا يشرِّعُ أمرًا إلّا لحكمة بالغة فهو العليم الحكيم، ولا بدّ أن يكون في هذا التشريع مصلحة راجحة، قد تظهر للمسلمين وقد تخفى عنهم، وقد يعلم المسلمون بعضًا من هذه الحكمة وقد يجهلونها، ولكنّ الأهم في كل الأحوال، هو التسليم لله تعالى، والانقياد التام لأمرِه عزّ وجلّ. [١].
أنواع اليمين
إنّ اليمين هو الحلف بالله تعالى، والقسم لأمرٍ ما، كأنْ يقسم الإنسان إنّه لم يفعل كذا وكذا، وهناك أنواع لليمين في الإسلام، كلُّ يمين له حكم خاص به، وهذه الأنواع هي:
- اليمين اللغو: وهي الحلف من غير قصد اليمين، أو هو اليمين التي تجري على اللسان بغير قصد، وهذه اليمين لا كفارة عليها في الإسلام، لقولِ الله تعالى: "لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ" [٢]، وقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "أنزلت هذه الآية: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، في قول الرجل لا والله وبلى والله". [٣].
- اليمين المنعقدة: وهي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها، وتكون اليمين المنعقدة في أن يحلف الإنسان أن يفعل أمرًا ولا يفعله، وهذه اليمين تجبُ فيها الكفارة عند الحنث، أيْ عند الحلف بفعل كذا وعدم فعل هذا الشيء، وقد وردَ عن ابن قدامة قولُهُ: "ومن حلف أن يفعل شيئًا، فلم يفعلهُ، أو لا يفعل شيئًا، ففعله، فعليهِ الكفارة"، ومن الجديرِ بالذكر أنّه لا خلافَ في الكفّارة في هذا اليمين عند الفقهاء عامة.
- الحلف على شيء ماضٍ كذبًا وبهتانًا: كأنْ يحلف أنّه لم يفعلْ كذا وكذا وهو فعل، وتعدُّ هذه اليمين من كبائر الذنوب، ولا كفارة لها على من ارتكبها عند جمهور العلماء، لأنّ هذه اليمين أكبر من أن يتم التكفير عنها. [٤].
حكم كفارة اليمين
بعد ما وردَ من حكمة تشريع الكفارة ومن أنواع اليمين، لا بدّ من المرور على حكم كفارة اليمين في الإسلام، وإنَّ حكم كفارة اليمين هو الوجوب، أي إنّ كفارة اليمين واجبة في الإسلام، وقد دلّ عليها الكتاب والسنة، قال تعالى في محكم التنزيل: "قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ" [٥]، المراد بالتَّحلَّة: هي الكفَّارة قبل الحنث؛ لأنَّها تحلُّ اليمين، ووردَ في السنة النبوية الشريفة، أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إذا حلفتَ على يَمينٍ، فرأيتَ غيْرَها خيرًا منها، فكفِّر عن يَمينك، وائْتِ الذي هو خيْر"، [٦]، وكما وردَ إنّ حكم كفارة اليمين واجب في الإسلام لضمان حقوق الله، ولعدم عودة المذنب لمثل هذا الفعل، قال ابن المنذر: "وأجْمعوا على أنَّ مَن حلفَ باسْمٍ من أسماء الله تعالى ثم حنث أنَّ عليْهِ الكفَّارة"، ذلك لأنَّ اليمين بالله عقْدٌ بالله فيجِب الوفاء به، كما يَجب بسائر العقود والوجوب هنا أشدّ لأنه عقد مع الله وليس مع البشر، قال تعالى: "وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ" [٧]، فإذا كان الحالف، قد عقدها بالله كان الحنث فيها نقضًا لعهد الله وميثاقه، لولا ما فرضه الله من التحلَّة وهي الكفارة، ولهذا سُمِّي حلُّها حنثًا، والحنث هو الإثْم في الأصل، فالحنْث فيها سببٌ للإثم لولا الكفَّارة الماحية، فإنَّما الكفَّارة منعته أن يوجب إثْمًا، ومن الجدير بالذكر أيضًا هو وجوب الكفارة في الأيمان على الفور، فعلى من حنث في يمينه أن يبادر إلى إخراج الكفارة؛ لأنَّ المرجَّح عند الأصوليِّين: أنَّ الأمرَ يُفيدُ الوجوب على الفوريَّة. [٨].
حكم الحلف بغير الله
إنَّ فيما يتعلق بحكم حلف الإنسان بغير الله -سبحانه وتعالى-، كأنْ يحلف بالقرآن أو الكعبة أو أن يحلف بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم-، فإنّه لا يجوز الحلف بشيء من مخلوقات الله تعالى، وهو قول جمهور العلماء، فقد وردَ في السنة النبوية فيما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" [٩]، وورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "من حلف فقال في حلفِه: باللاتِ والعُزَّى، فليقل: لا إلهَ إلا الله، ومن قال لصاحبِه: تعال أُقامِرُك، فليتصدقْ"، [١٠]، ويعني هذا الحديث أن الحالف بغير الله قد أتى بنوع من الشرك، فكفارة ذلك أن يأتي بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ليكفر بها ما وقع منه من الشرك، والله تعالى أعلم. [١١].
حكم يمين الطلاق
بعد ما وردَ من حكم الحلف بغير الله تعالى وحكم كفارة اليمين في الإسلام، وما وردَ سابقًا في السنة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: "...فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" [٩]، فإنّه يندرج حكم الحلف بالطلاق تحت حكم الحلف بغير الله، ولكنْ إذا كان الحالف بالطلاق يقصد بذلك أنه إذا تم المحلوف عليه فإنَّ زوجتَهُ طالقٌ، فإنَّ الطَّلاق يقعُ بحصول المحلوف عليهِ، لأنَّه علَّقَ الطَّلاق على أمرٍ فحصل، أمَّا إذا كان لا يقصد الطلاقَ، وإنَّما يقصدُ النَّهي والزَّجر عنِ المحلوف عليه، فقدِ اختلفَ أهلُ العلمِ في ذلك فجمهورهم على وقوع الطلاق إذا حصل المحلوف عليه، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ومن معه إلى أنه إذا لم يقصد الطلاق فإن هذا بمنزلة اليمين، فإذا حصل المحلوفُ كان فيه كفارةُ يمين، أما إذا لم يحصل المحلوف عليه فلا يقع طلاقٌ ولا يمين وهو محل اتفاق بين العلماء. [١٢].المراجع[+]
- ↑ أحكام الكفارة, ، "www.islamweb.net "، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-09-2018، بتصرُّف
- ↑ {البقرة: الآية 225}
- ↑ الراوي: عروة بن الزبير، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الرقم أو الصفحة: 4613، خلاصة حكم الحديث: صحيح
- ↑ الأيمان والنذور, ، "www.islamqa.info "، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-09-2018، بتصرُّف
- ↑ {التحريم: الآية 2}
- ↑ الراوي: عبدالرحمن بن سمرة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح النسائي، الرقم أو الصفحة: 3793، خلاصة حكم الحديث: صحيح
- ↑ {المائدة: الآية 89}
- ↑ كفارات اليمين بالله, ، "www.alukah.net "، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-09-2018، بتصرُّف
- ^ أ ب الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الرقم أو الصفحة: 1646، خلاصة حكم الحديث: صحيح
- ↑ الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الرقم أو الصفحة: 6650، خلاصة حكم الحديث: صحيح
- ↑ حكم الحلف بغير الله, ، "www.binbaz.org.sa "، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-09-2018، بتصرُّف
- ↑ حكم الحلف بالطلاق, ، "www.islamweb.net "، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-09-2018، بتصرُّف