سؤال وجواب

نبذة-عن-ابن-جني


نشأة علم النحو العربي

عرفت لفظة النحو في أصل اللغة بغير معناها الاصطلاحيّ، فالنحو لغةً: القَصد والوِجهة[١]، وفي الاصطلاح فهو ما يدل على ذلك المنهج العلمي الذي يقصد منه دراسة اللغة وحفظها، لم يكن العرب القدماء من العصرين الجاهلي والإسلامي بحاجة إلى علم النحو الذي يعنى بدوره بحفظ قواعد التركيب والصياغة اللغوية تبعًا للدلالة، فقد كان هؤلاء أهل اللغة التي حالما اتسعت رقعة الدولة واختلطت الأجناس والشعوب حتى دخل اللحن وتفشى الخطأ، فدعت الحاجة لإنشاء علم النحو كوسيلة تكفل حفظ اللغة من الضياع والتحريف، وقد انتهج علماء اللغة في سبيل ذلك مناهج منتظمة تقوم على تدوين المسموع والقياس عليه، ومن هؤلاء العلماء أبو الأسود الدؤلي وسيبويه وابن جني والفراء وغيرهم كثير [٢].

أبرز أعلام النحو

تَوَزّع أعلام النحو العربي تبعًا لآرائهم النحوية بين مدرستين: البصرية والكوفية، وهما مدرستان تقومان على تأويل النحو وتقعيده وتقنينه وفقًا لما سمعه النحاة عن العرب، ولعل الاختلافات التي طرأت بينهما لم تكن إلا بسبب من تعدد اللهجات بين قبائل العرب، ومن هؤلاء النحاة:[٣]

  • أبو الأسود الدؤلي: وهو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان، وقد كان علوي الرأي وهو من رجال المدرسة البصرية، وهو أول من وضع أسس اللغة العربية ومقاييسها في الوقت الذي انتشر فيه اللحن واضطرب كلام العرب.
  • عبد الرحمن بن هرمز: وهو أول من وضع العربية وكان من أعلم الناس بالنحو العروض ومن علل النحو ما لم يستنبط أحد من قبله.
  • يونس بن حبيب: هو ابو عبد الرحمن الضبي، تتلمذ على يدي أبي عمرو بن العلاء، وكان النحو أغلب عليه، وعاش ثمانيًا وثمانين سنة.
  • يعقوب بن إسحاق الحضرمي: وهو من أهل بيت العلم بالقرآن والعربية، وكلام العرب والرواية الكثيرة للحروف والفقه، وكان أقرا القراء وأخذ عنه عامة حروف القرآن مسندًا وغير مسند.
  • سيبويه: هو عمرو بن عثمان بن قنبر، ولد بقرية من قرى شيراز، وقد قدم البصرة ليكتب الحديث، تتلمذ على يدي الخليل بن احمد الفراهيدي والأخفش، وهو واضع أشهر كتاب نحوي المعروف بالكتاب.

نبذة عن ابن جني

هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، ولد في الموص قبل سنة 330 هـ، وكان أبوه مولى روميًا لسليمان بن فهد الأزدي، وقيل في صفاته أنه كان أشقر أعور وقد أشار إلى عيبه هذا في قصيدة له قال فيها:[٤]

صدودك عني ولا ذنب لي

يدل على نية فاسدة

وقد وحياتك مما بكيت

خشيت على عيني الواحدة

ولولا مخافة أن لا أراك

لما كان في تركها فائدة

وقيل في وصفه إنه كان رجل جدّ عفيف اللسان والقلم يتجنب الألفاظ المندية للجبين[٤]، نشأ في الموصل و قرأ الأدب في صباه على أبي علي الفارسي، وتعلم النحو عن الأخفش، وبلغ من العلم مرتبة لم يبلغها أحد قبله، لا سيما وقد عانى أبناء عصره من الضعف العلمي واللغوي، وتوفي سنة392هـ.[٥]

مكانة ابن جني العلمية

تلقّى ابن جني العلم على يد مجموعة من العلماء والشيوخ من هم ابن مقسم وأبو الفرج الأصفهاني والأخفش وأبوبي علي الفارسي، وهم من كبار علماء اللغة والنحووقد ترك كل منهم أثرًا واضحًا في شخصية ابن جني وحبه للمعرفة وعلومه المكتسبة، وكان ابن جني قد اهتدى إلى قضية الاشتقاق الأكبر وكان له الفضل في تقعيدها وبيان مناسبة بعض المعاني لبعض الاصوات رغم تقلب اصولها[٦]، لذلك فقد حاز ابن جني على مكانة علمية رفيعة شهد له بها أهل عصره وزمانه وكثير من أهل اللغة والنحو والقائمين على دراسته في العصور اللاحقة وحتى يومنا هذا، فقد قال الثعالبي عنه: هو القطب في لسان العرب وإليه انتهت الرياسة في الأدب وكان الشعر أقل خلاله لعظم قدره وارتفاع حاله، كما قال عنه ياقوت الحموي: عثمان بن جني من أحذق أهل الأدب و أعلمهم بالنحو والتصريف[٧]، وقال عنه الباخرزي في كتابه "دمية القصر": ليس لأحد في أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح المشكلات ما لابن جني، ولا سيّما في علم الإعراب.[٤]

آثار ابن جني ومؤلفاته

خلف ابن جني مجموعة كبيرة من الكتب والمصنفات التي تشهد بعلمه والجهد الذي بذله في سبيل حفظ اللغة وتقنينها، وقد تنوعت هذه المؤلفات بين اللغة وما تؤديه من معاني وأثرها في خلق جسر للتواصل بين المرسل والمستقبل، وأخرى تعنى بدراسة التركيب النحوي ومنها:[٨]

  • الخصائص: وهو كتاب مختص في فقه اللغة وفلسفتها، ويستهل بالحديث عن اصطلاحات اللغة ومفهوميتها ثم يعرض للقضايا اللغوية العامة كالقياس والاستحسان والمجاز والتقديم والتأخير وما إلى ذلك من قضايا اللغة.
  • المحتسب في توجيه الشواذ من القراءات: ويعرض ابن جني من خلاله للقراءات الشاذه والوجوه النحوية التي تجري بها.
  • سر صناعة الإعراب: عمد ابن جني من خلال هذا الكتاب على إلى توسعة الدراسات الصوتية التي بذلها سابقوه، وبين من خلاله الحروف ومخارجها وصفاتها الصوتية.
  • التصريف الملوكي:وهو كتاب موجز في البنى الصرفية ومعاني حروف الزيادة الواردة فيها.
  • التنبيه على شرح مشكلات الحماسة: وعمد ابن جني من خلاله لتفسير ما أشكل من الدلالات الشعرية تبعًا للقضايا النحوية واختلافها، وهو لم يقف على شرح الأبيات وتفسيرها، إنما كان قد اكتفى بما يخص جانب الإعراب والتركيب النحوي.
  • العروض: ويقف فيه ابن جني على عروض الخليل الفراهيدي وما يتتعرض له البحور من الزحاف والعلل، من خلال الأبيات الشعرية المختارة.

المراجع[+]

  1. مجمع اللغة العربية (2040)، المعحم الوسيط (الطبعة الرابعة)، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، صفحة 980. بتصرّف.
  2. "النحو العربي نشأته ومدارسه وقضاياه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
  3. محمد بن الحسن الزبيدي أبو بكر (1984)، طبقات النحويين واللغويين (الطبعة الثانية)، مصر: دار المعارف، صفحة 21. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت فاضل سامح السامرائي (1969)، ابن جني النحوي (الطبعة الأولى)، بغداد: دار النذير للطباعة والنشر، صفحة 24.
  5. "ابن جني"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
  6. صارة أضوالي (د.س)، ابن جني وحياته العلميّة، صفحة 5. بتصرّف.
  7. أحمد بن الحسين بن الخباز (2002)، توجيه اللمع (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر، صفحة 9. بتصرّف.
  8. جاب الله يازيد (2004)، ظاهرة التعليل في النحو عند ابن جني من خلال كتابه الخصائص (الطبعة د.ط)، الجزائر: جامعة الجزائر، صفحة 20. بتصرّف.