تعريف-الحرية
محتويات
العبودية
خُلِق الإنسان ليَعبد الله تعالى؛ إيمانًا منه بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[١]، وبأنّ علّة خلقه هي عبوديته لله تعالى. والعبودية نوعان عامة وخاصة؛ فالعامة لا خروج لأحد من الخلق عنها، ومنها الخضوع لله تعالى في تدبيره وأمره القدري، والخاصة فهي قبول العبودية لله تعالى، والتشرف بها، والدخول في أهلها، وهي عبودية المؤمنين. ولكنّ مفهوم العبودية يتعارض مع مفهوم آخر وهو مفهوم الحرية، وبين العبودية والحرية، سيجد الباحث أن تعريف الحرية يتعدّد بتعدّد أنواع العبودية المضادة له، وأن تعريف الحرية اختلف باختلاف العصر، وظرف العبودية الذي واجهه، واختلاف الدين، والأنظمة التي يحتكم إليها، وهذا المقال سيتناول شيئًا من تعريف الحرية على مر العصور، وبحسب مفهومها الديني والغربي.[٢]
تعريف الحرية
عند البحث عن تعريف الحرية، سيجد الباحث أن كلمة الحرية استعملت عبر التاريخ البشري بمعاني مختلفة، ففي الحضارات القديمة كان المعنى السائد لها هو عدم الاسترقاق، واذا إضيفت لها كلمة الحق فتعني حق الحرية الذي يعني عدم جواز السترقاق والاستعباد، الذي يؤدي إلى حرمان الإنسان من حقة في الحياة، كما ورد في نص المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي تعريف الحرية تعريفًا آخر؛ فهي التحرّر من القيود الاجتماعية وعدم الالتزام بقانون أو عرف أو دين ودون تدخل الآخرين. إلا أنّ هذا المتعريف الأخير يواجه اعتراضات من البعض، كونه يؤدّي الى قتلاع جذور القيم النسانية، وإحلال الفوضى محل النظام والاستقرار باسم الحرية.[٣]
وفي تعريف الحرية تعريفًا ثالثًا، فقد ارتبطت الكلمة بالتجربة الاستعمارية الأوربية لبلدان قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وشعوبها؛ وبالتالي جاءت كلمة الحرية مرادفة لكلمة الاستقلال، وتقرير المصير، والسيادة، لتلك البلدان والشعوب بعد رفضها الاحتلال، ومطالبتها الحصول على الاستقلال خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وفي العصر الحديث استعملت كلمة الحرية مع الحقوق الأساسية التي يتضمنها دستور الدولة للمواطنين، ويعطي لها الضمانات ضد انتهاكات حقوق الإنسان التي يمكن أن يتعرض لها المواطنون من قبل الأفراد أو السلطة العامة، وهي الحقوق المعروفة باسم الحريات العامة.[٣]
في الوقتِ الحاليّ، أصبح تعريف الحرية أكثر اقترابًا لمفهوم الحقوق؛ لحرية الفكر أي حق التفكير الحر، وحرية التعبير أي حق التعبير عن ما في العقل والنفس من أفكار ومشاعر. ولا يخلو أي دستور للدول المعاصرة أو أي وثيقة إقليمية أو دولية أو وطنية من معنى الحريات العامة، التي دخلت التشريعات القانونية والسياسية بما يكفل حرية الشخص في التصرف بكل ما يتعلق بشؤونه الخاصة ضمن دائرة القانون، وكذلك ضمان حريته في اعتقاد ما يراه صوابًا، وفي إبداء رأيه في كل ما يتعلق بالمجتمع الذي يعيش فيه، وفي كل ما يصدر عن السلطة الحاكمة في المجتمع من تصرفات. وأمام ذلك يمكن تعريف الحرية العامة، بأنها ممكنات يتمتع بها الفرد بسبب طبيعته البشرية، أو عضويته في المجتمع التي يحقق بها صالحه الخاص، ويسهم بها في تحقيق الصالح العام المشترك للبلد، ويمتنع على السلطة أن تحد منها إلا إذا أساء بمصالح الآخرين.[٣]
الحرية في المفهوم الإسلامي
يتمّ تعريف الحرية في المفهوم الإسلامي في ضوء عدد من المميزات، تتمثل في أنّ الحرية ضرورة من الضرورات الإنسانية، وفريضة إلاهية وتكليف شرعي واجب، وليست مجرد "حق" من الحقوق، يجوز لصاحبه أن يتنازل عنه إن أراد؛ فالحرية تقوم مقام الحياة، وهي تعبير عن علاقة الإنسان بوجوده الدنيوي. وقد كان الرق والعبودية قبل الإسلام، بمثابة الموت، لذلك جاء الإسلام بعتق الرقبة، وتحرير العبيد، لإخراج الإنسان من حكم الموت إلى حكم الحياة، وهو أيضا ما جعل عتق الرقبة وتحريرها كفارة للقتل الخطأ الذي سلب به القاتل حياة إنسان، ونقلها إلى عداد الموتى.[٤]
وتعريف الحرية في المفهوم الإسلامي لم يكن مجرد موقففكري نظري، بل تجسد على أرض الواقع من خلال تجربة إصلاحية ثورية شاملة غيرت وجه المجتمع الذي ظهر فيه تغييرًا جذريًا؛ فلما جاء الإسلام أوقف قسوة الإسترقاق الذي به القيصرية الرومانية، والكسروية الفارسية، والقوى العظمى التي حوّلت شعوب المستعمرات إلى رقيق وبرابرة وأقنان، وبذلك ألغى الإسلام منابع الرقيق وروافده؛ عندما حبب إلى الناس عتق الأرقاء، وجعلها مصرفًا من مصارف الأموال الإسلامية العامة، وصدقات المسلمين وزكاتهم، وجعل العديد من الكفارات هي تحرير الرقبة.[٤]
كما يربط تعريف الحرية في المفهوم الإسلامي الحرية بالإنسان مطلق الإنسان، وليس بالإنسان المسلم وحده، وإذا كان الدين والتدين هو أغلى وأوّل ما يميز الإنسان، فإن تقرير الإسلام لحرية الضمير في الاعتقاد الديني دليل على تقديس حرية الإنسان في كل الميادين، فهو حر في إسلامه وكفره، كما قال تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}.[٥] كما أن تعريف الحرية في المفهوم الإسلامي ارتبط بتحرير الإنسان من كل الطواغيت، فشهادة التوحيد " لا إله إلا الله " هي جوهر التدين بالإسلام، وهي ثورة لتحرير الإنسان من العبودية لكل الطواغيت، والأغيار، وإفراد الله بالألوهية.[٤]
أشكال الحرية
تتعدّد أشكال الحريات العامة وأنواعها، فهي حريات حريات أساسية، وحريات فكرية، وحريات اجتماعية، وفيما يأتي عرض مبسّط لهذه الأشكال من الحريات، التي ترد تباعًا لتعريف الحرية:[٣]
الحريات الأساسية أو الحريات الفردية
تعدّ هذه الحريات في تعريف الحرية واحدة للإنسان لا تختلف باختلاف دينة أو عرقه أو انتمائه، إذ يجب أن يتمتع بها لتعلقها به بوصفه شخصًا طبيعيًا، ولأنها تشكل حدود الفرد أمام تسلط الدولة فلا تتعدى هذه الحدود. ومن هذه الحريات: حرية الفرد في الأمن والسلامة البدنية، وحريته في التنقل واختيار مكان الاقامة، واحترام الحرية الشخصية المتمثلة في عدم انتهاك حرمة المسكن وسرية المراسلات الشخصية، وحرية التملك. ولأهمية هذه الحريات فقد نصّت عليها كل الدساتيرالوطنية والاتفاقيات الدولية وإعلانات حقوق الإنسان ونصوص مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.[٣]
الحريات الفكرية أو الثقافية
وهي من أهم الحريات الإنسانية في تعريف الحرية، والتي يحتاجها الفرد في حياته لارتباطها الشديد بجوانبه الروحية في مختلف المجالات. وتشمل الحريات الفكرية: حرية الرأي والتعبير، وحرية المعتقد، وحرية التعلم، وحرية الصحافة. وتعدّ حرية الرأي والتعبير ركيزة من أساسية من ركائز الديمقراطية وأحد مظاهرها؛ إذا تمثل قدرته في التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية تامة بغض النظر عن الوسيلة التي يستخدمها سواء كان ذلك بالاتصال المباشر مع الناس أو بالكتابة أو الإذاعة أو الصحف أو بواسطة الرسائل.[٣]
وقد تخضع هذه الحرية لبعض القيود المحددة بنصّ القانون، ومنها احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي والمصلحة العامة، وحماية الآداب العامة، وحماية عقائد الشعب. أما ما يتعلق بحرية المعتقد الديني فقد أعلن عنها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكفلت جميعها حرية ممارسة الشعائر والطقوس الدينية، وحرية التعليم الديني والكتابة الدينية. وأما من جانب حرية التعليم فقد أجمعت عليها المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية والأقليمية والمحلية جميعها، بأن يكون من حق كلّ فرد التعليم، وحقه في التمتع بكل مجالات الثقافة والتقدم العلمي وحق المساهمة في البحث والنشاط العلمي.[٣]
أما حرية الصحافة في تعريف الحرية، فهي امتداد جماعي لحرية كل مواطن في التعبير المعترف به بوصفه حقًا حق من حقوق الإنسان. فالمجتمعات الديمقراطية لا يمكن أن تنهض إلا على أساس مفهوم سيادة الشعب الذي يحدد إرادته العامة رأي عام مطلع؛ لأن حق الرأي العام في أن يعلم يمثل جوهر حرية وسائل الأعلام وأن الحرمان من هذه الحرية سيؤثر على الحريات الأخرى.[٣]
الحريات الاجتماعية
وتدخل في مجال هذه الحريات في تعريف الحرية، كل النشاطات ذات الصفة الجماعية، التي لا تخص الفرد وحده فقط، بل تشمل مجموعة من الأشخاص، ومنها حرية حق الاجتماع، وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات، وحق الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وحق العمل وحق الملكية. والديمقراطية النيابية الحديثة والبرلمان لا يمكن أن يعملا بدون وجود ضمانات اجتماعية لحرية الإنسان في الاجتماع لمناقشة الشؤون العامة، مع وجود منظمات المجتمع المدني وغيرها من التنظيمات الاجتماعية وأن تتمتع بطابعها السلمي، وأن تعمل على تعزيز مصالحها لدى الحكومة. وهذه الحريات أقرتها الدساتير والمواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية ومنظماتها.[٣]
آداب الحرية
هناك مجموعة من الضوابط والشروط التي يتضمنها تعريف الحرية، وعلى الإنسان الالتزام بها، لتكون حريته حرية ملتزمة منضبطة لا عشوائية تدفع به إلى المهالك، وتعرف هذه الشروط خاصة في تعريف الحرية في المفهوم الإسلامي بآداب الحرية، التي تعني أن تكون الحرية في حدود الدين ومنهاجه، وفي حدود الأخلاق الإسلامية كالحياء والعفة وحسن المعاشرة بعيدا عن المكر والحيلة والغش، وأن تكون الحرية مع الطاعة للخالق الكريم وعدم معصيته فإن المعصية عبودية للشيطان.[٦]المراجع[+]
- ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
- ↑ "تعارض الحرية مع العبودية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "الحرية والديمقراطية"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "الحرية في المفهوم الإسلامي"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2019.
- ↑ سورة البقرة، آية: 256.
- ↑ "آداب الحرية"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2019.