تعريف-الهدية
محتويات
المحبة والمودة بين المسلمين
إنّ الأخوة درجة من درجات القرابة والدّم، تجعل للمرء على أخيه واجباتٍ لا تعدّ ولا تحصى، ولكن الأخوة في الإسلام جاءت بمفاهيمَ مغايرةٍ وغير تقليدية، فصارت الأخوة مفهومًا عظيمًا، وعلاقاتٍ واسعة، متحررةً من رباط الدم والنسب، موثوقةً بوَثاق أهمَّ وأعظم، وهو الرباط الإلهي! غايتها رضاه سبحانه وبلوغ الجنة، فالأخوةُ لأجل الله جعلت الغني في الإسلام أخًا للفقير دون استكبار، والأبيضَ أخًا للأسود دون تمييز، والأخوة الخالصة لوجهه الكريم، توجب للإخوة المؤمنين الجنةَ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر: ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، وسيأتي لاحقًا تعريف الهدية، التي توثق رابطة المحبة بين المسلمين.[١]
تعريف الهدية
إنّ تعريف الهدية والهبة والصدقة والعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض، واسم العطية شامل لجميعها، وكذلك الهبة، ولكن تعريف الهدية يختلف عن تعريف الصدقة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، والتهادي بين الناس أمرٌ مرغوبٌ فيه شرعًا وعادةً، والهدية يهديها الأخ لأخيه، هي رسول خير، ومظهر حب، ووسيلة قربى، ومبعث أنس، تـُقرِّب البعيد، وتصل المقطوع، وتشق طريق الدعوة إلى النفوس، إذ ترقق قلب متلقيها، وتجبره على توثيق علاقته مع ملقيها، فالهدية وإن صغرت من أهم وسائل كسب القلوب، وبناء العلاقة بين الناس، وهي قد تكون بسيطة جدًا في قيمتها، ولكنها تدخل سرورًا، وتظهر مدى الاهتمام، والهدية لها دور كبير ومهم في استلال سخائم الحقد، وأدران التنافس والحسد من القلوب، ثم غرس أسمى معاني الثقة والمحبة والألفة والمودة بين المسلمين.[٢]
ضوابط التهادي
المسلم ملتزمٌ بأحكام الشرع في مجالات حياته كلّها، فالمسلم يتبعُ أوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في شؤونه كلها، ويحرمُ العدولُ عنها إلى اتباع أهواءه وشهواته، فالمسلم منضبطٌ بضوابط الشرع، والانضباط هو أخذ الأمور بحزمٍ وقوةٍ، بحيث تبقى أفعال المسلم وتصرفاته ضمن الحكم الشرعي، والانضباط روح الإسلام، فكلمة الإسلام تؤكد على الاستسلام لأحكام الله -عزّ وجلّ-، ابتداءً بالعقيدة وانتهاءً بالشريعة، وتاليًا تذكر أهم الضوابط الشرعية لتحقيق تعريف الهدية:[٣]
- من ضوابط تعريف الهدية في ذاتها أنها إن كانت حرامًا كالخمر والخنزير والصلبان والشعارات الدينية لغير المسلمين ونحو ذلك، فلا يجوزُ شرعًا إهداؤها ولا قَبولها، وإن كان يحرم استعمالها في حالٍ دون حالٍ كالحرير مثلًا، فيجوز قبولها والتصرف فيها بالبيع أو الإهداء ونحوهما.
- تحرم الهدية للموظف، فالأصل المقرر عند الفقهاء أن من تولى مسؤوليةً أو وظيفةً عامةً أو خاصةً، أنه يحرم عليه قبول هديةٍ أو مكافأةٍ جاءته بحكم مسؤوليته تلك أو وظيفته، إلا إذا أذنت له جهة العمل المشغلة له بقبولها، والهدية للموظف والمكافأة والإكرامية ما جاءت للموظف إلا باعتبار أنه موظفٌ وليس باعتبار شخصيته العادية، وإلا كانت رشوة محرمة.[٤]
- تحرم الهديةُ من المقترض للمقرض؛ لأنّ كلّ قرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربا، وهذا وإن لم يكن حديثًا ثابتًا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فمعناه صحيحٌ، فالهدية التي يقدّمها المقترض للمقرض قبل السداد، ولم تَجْري العادة في التهادي بينهما فيها شبهة بالربا.
- تقبل هدايا الكفار ويجوز الإهداء لهم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن يهوديةً أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاةٍ مسمومةٍ، فأكل منها فجيء بها، فقيل: ألا نقتلها، قال: لا".[٥]
- تحرم الهدايا للكفار إذا كانت مرتبطةً بعقائدهم الباطلة، كالهدايا المرتبطة بأعيادهم الدينية تعظيمًا لها، فيُخشى على من فعل ذلك الكفر، فيحرمُ على المسلم أن يعظم شعائر الكافرين.
- يجوز قبول هدايا الكفار بمناسبة أعيادهم الدينية على الراجح من أقوال أهل العلم ما لم يكن في ذلك محظورٌ شرعي.
آداب الهدية
إن تعريف الهدية من أعظم ما يحقق المودة بين القلوب، وأجل ما يبعث الوئام في النفوس، ويُسترضى بها الغضبان، ويستميل المحبوب، ويَصفى بها الود بين الخلان والأصحاب، وللملقي والمتلقي أجر، إن هما احتسبا الأجر عند اله وجدّدا نيتهما، ولتعريف الهدية آداب، منها:
- الأَولى أن يُهدي الإنسان للأقرب فالأقرب، ولِمَنْ له حقوق عليه، كالوالدين، والزوجين، وذوي القربى، والجيران، فالهدية بين الزوجين أمرها عجيب، وأثرها بليغ، وقد أجاز الله تعالى للمرأة أن تهب بعض صداقها للزوج، إذا أرادت ذلك عن طيب خاطر، فقال سبحانه: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[٦] تأكيدًا للمودة فيما بينهما.
- عدم العودة فيها، فمن المستقبح أن يرجع الإنسان في هديته، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ"[٧].
- اجتناب المَنِّ بها، فالمَنُّ بالهدية من اللؤم وقلة المروءة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.[٨]
- العدل بين الأولاد في العطاء، فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- أن أباه أراد أن يُعطيه عطيةً، وكان يُحب أن يُشهِد رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأُعطية، فسأله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ" قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ"[٩].
حث السنة النبوية على التهادي
ورَدت أحاديث كثيرة جدًا، تذكر فضل تعريف الهدية والتهادي في الله، وآثارها على علاقات المجتمع وتمسكه، وتثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الهدية، وفي هذا تشجيع للناس على التهادي، ففي ذلك سبيل لتوثيق أواصر المحبة بين الناس، وستذكر لاحقًا أحاديث شريفة تؤكد على مفهوم وتعريف الهدية وفضلها:
- عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"[١٠].
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَهَادُوا تَحَابُّوا".[١١]
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ"[١٢].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من جاءَهُ من أخيهِ معروفٌ من غيرِ إشرافٍ ولا مسألةٍ، فليقبلهُ ولا يرُدَّهُ، فإنَّما هوَ رزقٌ ساقَهُ اللَّهُ إليهِ"[١٣].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ"[١٤].
المراجع[+]
- ↑ "الأخوة والمحبة في الإسلام قيمة تصنع المجتمعات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "الهدية سنة نبوية ووسيلة دعوية "، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "الضوابطُ الشرعيةُ للإهداء وقبول الهدية "، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "حكم الهدية لأجل تقدير جهود الموظف"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2617.
- ↑ سورة النساء، آية: 4.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2647.
- ↑ سورة البقرة، آية: 264.
- ↑ رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 2587.
- ↑ رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن كعب بن عجرة، الصفحة أو الرقم: 3370.
- ↑ رواه الغمام البخاري، في الأدب المفرد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 594.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 91.
- ↑ رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن خالد بن عدي الجهني، الصفحة أو الرقم: 5/94.
- ↑ رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2568.