سؤال وجواب

الدولة-العبيدية-الفاطمية


الفاطميون

لقد اختُلف في نسب الفاطميين اختلافًا كبيرًا بين مؤيِّد ومنكِر لنسب الفاطميين الذين يزعمون انتسابهم للسيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولكنَّ هذا النسب أكسب الفاطميين مكانة دينية استطاعوا من خلالها تأسيس دولة في شمال أفريقيا ومصر، وقد سُمِّيت الدولة الفاطمية باسم الدولة العبيدية أيضًا نسبة إلى مؤسسها عُبيد الله المهدي بالله، وبعد أنْ أسس الفاطميون دولتهم رفضوا إعلان الولاء للخليفة العباسي وهذا الرفض جاء بسبب اتباع الفاطميين للطائفة الإسماعيلية الشيعية التي كانت ترى نفسها أحقّ بحكم العالم الإسلامي، فكانَتْ لدى الفاطميين الرغبة التامَّة في إنهاء الخلافة العباسية، وهذا المقال سيتحدث عن الدولة العبيدية الفاطمية من جوانب عدّة.[١]

مؤسس الدولة العبيدية الفاطمية

اعتمد الفاطميون في تأسيس دولتهم على الدعوة الدينية؛ حيث قاموا بالدعوة إلى الفكرة الشيعية فجمعوا حولهم أتباعهم في الطائفة الذين كانوا يكنون لهم الولاء والإخلاص التام، وفي أواخر عهد دولة الأغالبة نجح الفاطميون باستمالة وزراء الأغالبة وعملوا على نشر دعوتهم العبيدية الفاطمية في المغرب عام 280 للهجرة، وقد لقيتْ دعوتهم في المغرب قبولًا كبيرًا من الناس فكان ثمَّة توافق مذهبي بين دعوة الفاطميين في المغرب وبين المذهب الذي ينتمي إليه الأدارسة هناك، فالأدارسة دولة علوية شيعية، وهي دولة أقامها إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عام 172 للهجرة، فكان انتشار المذهب الشيعي الإسماعيلي في المغرب سهلًا ويسيرًا على الفاطميين[٢]، كما انتشرت الدعوة الفاطمية في شمال أفريقيا سنة 289 للهجرة، أمَّا مؤسس الدولة العبيدية الفاطمية فهو عبيد الله المهدي الذي رحل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بينما أنكر آخرون هذا النسب وذهبوا إلى أنَّ أصل عبيد الله المهدي من الفرس أو اليهود ومنهم من قال إنَّ أصلهُ من مدينة القاهرة وجعلوها عاصمة لدولتهم.[٤]

وفي القرن الحادي عشر والثاني عشر للميلاد، بدأ وزراء الدولة العبيدية الفاطمية بالاستبداد، ولم يعد للخليفة سلطة فعليَّة في البلاد، فبدأت الخلافات تنشب بين الوزراء والولاة وقادات الجيش فزادَتْ الفتن وانتشرت بين الناس، وانتشرت المجاعات والأوبئة بين الناس بسبب إهمال السلطة للشعب، وبعد هذه الأحداث تعرَّضت الدولة الفاطمية لهجوم الحملة الصليبية الأولى فسقطت قلاع بلاد الشام بيدِ الصليبيين واستمرَّ الدولة الفاطمية بالانحدار حتى استقل صلاح الدين الأيوبي بحكم مصر عام 1171م.[٤]

نظام الحكم في الدولة العبيدية الفاطمية

إنَّ نظام الحكم في الدولة العبيدية الفاطمية كان نظامًا مُطلقًا، ومعنى مُطلقًا أي أنّ الخليفة الفاطمي يملك كلَّ السلطة في الدولة، فهو من يسنُّ القوانين ويشرِّع الأحكام وما تحته من الوزارات مَهمّتها تنفيذ أوامر الخليفة فقط، فنظرية الحكم في الدولة الفاطمية كانت قائمة على المبدأ الآتي: "إنَّ طاعة الإمام جامعة للمُلوك والرَّعايا، والرَّعايا تجمع الأعطاء والطَّاعة، وإنَّ الوزير يجمع السياسة والجباية، والجباية جامعة للوُزراء والعُمَّال، وأن الملك يجمع الطاعة والسياسة، والعاملُ يجمع الجباية والأعطاء، وإنَّ الأعطاء جامعٌ للعُمَّال والرعايا، وإنَّ السياسة مُشتركة"، هذا المبدأ يؤكد على أنَّ الإمام هو صاحب السلطة الأول والأخير.[٤]

أمَّا الاختلاف البسيط بين سلطة الخليفة بين الدولة الأموية والعباسية والدولة الفاطمية فهو أنَّ الخليفة الفاطمي كان يحيط نفسه بهالة دينية تفوق الهالة الدينية التي كان يهيِّئها خلفاء الأمويين والعباسيين لأنفسهم، وقد سار الخلفاء الفاطميون بنظام حكم وراثيٍّ، شأنهم في هذا شأن الأمويين الأندلس، وبعد أن بسط الفاطميون سيطرتهم على المغرب العربي بدأت أنظار الفاطميين تتوجَّه نحو الأندلس بنيِّة غزوها لتأمين المغرب الإسلامي وإخضاعه كاملًا لسلطتهم، ولكنَّ الخليفة الأموي عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله كان على مستوى عالٍ من الحنكة والذكاء والقوَّة، فقد علم من خلال جواسيسه بأمر الغزو الفاطمي للأندلس فنصَّب نفسه خليفة للأمويين في الأندلس بعد أن كان أميرًا، ولقَّب نفسه بالناصر لدين الله، وبدأ بتحصين بلاده التي كانت على مذهب أهل السنة والجماعة فيما كان الفاطميون ينتمون للإسماعيلية الشيعية، فأحل الفاطميون دمَهُ وفرضوا على الناس قتاله.[٥]

ونتيجة لهذا التصعيد قام الناصر لدين الله الأموي في الأندلس بتحصين حدوده الجنوبية التي كانت باتجاه المغرب فهي المنطقة الأكثر عرضةً للغزو الفاطمي، وقام أيضًا بتدعيم الأسطول الأندلسي وقام بحراسة جبل طارق بشكل مشدد للغاية وضيَّق الخناق على عمر بن حفصون الذي ثار على حكمه وأعلن الولاء للخلافة الفاطمية، كما قام الناصر لدين الله باحتلال الثغور المغربية واحتلَّ سواحل مليلة وسبتة وطنجة عام 319 هجرية، ومن أهم أعماله هو تأييد الثورة التي قام بها أبو يزيد الخارجي، وهي ثورة كبيرة قامت في تونس والجزائر على يد رجل اسمه أبو يزيد مخلد بن كيداد الزناتي الخارجي ضد الدولة الفاطمية، فأيدها بالمال والسلاح ولكنَّ هذه الثورة انتهت بمقتل صاحبها عام 336هـ.[٥]

القضاء في الدولة العبيدية الفاطمية

إنَّ ظهور الدولة العبيدية الفاطمية كان ظهورًا لخلافة إسلامية جديدة في العالم تتبع مذهبًا غير المذهب المتبع في الخلافة العباسية، فالإسماعيلية الشيعية التي دان بها الفاطميون كانت تختلف عن مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا الاختلاف أدَّى إلى اختلاف الخلافة الفاطمية عن العباسية بشؤون القضاء التي كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقضاء والحكم بين الناس، ولهذا كان منصب قاضي القضاة في الدولة الفاطمية يمثِّلُ أعلى سلطة في القضاء الفاطمي، ولكنَّه كان تابعًا للمذهب الإسماعيلي في كلِّ أحكامه بدلًا من المذهب الحنفي، وكان قاضي القضاة يتخذ من الجامع الأزهر مركزًا له، ومن الجدير بالذكر إنَّ أول من شغل منصب قاضي القضاة عند الفاطميين هو النعمان بن محمَّد في زمن خلافة المعز لدين الله الفاطمي الذي أسس القضاء في الدولة الفاطمية.[٤]

العمارة في الدولة الفاطمية

لقد استمرَّت الدولة العبيدية الفاطمية ما يزيد على قرنين من الزمن، عاشت فيها فترات مختلفة، فمن الصعود إلى الترف ثمَّ المجاعة فالانهيار، وقد شهدت العمارة في الدولة الفاطمية بناء مجموعة من المدن، فقد بنى الفاطميون مدينة القاهرة وبنو مدينة مهدية أيضًا، وأنشؤوا في القاهرة قصر الشرقي ذا التسعة أبواب، والذي بلغ طول واجهته 345 مترًا، وقد اهتمَّ الفاطميون أيضًا ببناء المساجد وارتبطتِ المساجد التي بنوها في القاهرة بابن طولون وبسيدي عقبة، وقد اهتموا أيضًا بواجهات المساجد حيث وضعوا فيها الحجر المنحوت بديلًا عن الطوب، واهتموا بتزيينها وزخرفتها، ومن أشهر المساجد التي بناها الفاطميون في القاهرة مسجد ابن طولون ومسجد عمرو ومسجد الحاكم والأقمر، أمَّا قباب المساجد الفاطمية فكانت صغيرة من الداخل والخارج، كما ظهرت في عمران الفاطميين الزخارف المعمارية العالية المستوى والجمال، واشتهرت أيضًا في عمرانهم الزخارف التي حُفرتْ على الخشب في الأبواب والمنابر.[٦]

مراكز الثقافة في الدولة العبيدية الفاطمية

لقد شهدتْ الحركة الثقافية في عهد الفاطميين تطوُّرًا ملحوظًا؛ وذلك بسبب حركات الترجمة من مختلف اللغات التي انتشرت في عهد الفاطميين، كما شجَّع الخلفاء والوزراء على العلم وأعلوا من شأن العلماء والأدباء في الدولة، فنشطتِ الثقافة في الدولة وأصبح بلاط الخلفاء يعجُّ بالشعراء والأدباء والعلماء، أمَّا الثقافة الدينيَّة الإسلامية فقد انتشرت بسبب الحاجة إليها في تحقيق المآرب السياسية الأخرى، وفيما يأتي تفصيل في أبرز المراكز الثقافية في الدولة العبيدية الفاطمية:[٧]

  • المساجد: كانت المساجد في الدولة الفاطمية ميدانًا للعلماء، يجتمع فيه فقهاء الشيعية ويحاضرون ويشرحون ويحكمون بين الناس وفقًا لأحكام المبدأ الإسماعيلي، وقد شارك الوزراء والقضاة في تأليف بعض الكتب في هذا المذهب بأهداف سياسية.
  • جامع الأزهر: كان الأزهر في عهد الخليفة الفاطمي العزيز جامعة يدرس في طلاب العلم من كلِّ أنحاء المعمورة، ولم يكن مختصًا بتدريس العلم الشرعي بل كان يُدرِّس الفن والأدب والعلوم إلى جانب الاهتمام بالعلوم الشرعية.
  • قصور الوزراء: كانت قصور بعض الوزراء الفاطميين مكانًا ثقافيًا، فمنزل الوزير ابن كلس على سبيل المثال كان مجتمعًا للموظفين الذين يعملون في نسخ الكتب كالقرآن الكريم وكتب الحديث والأدب والفقه والطب والعلوم وغيرها.
  • دار الحكمة: أُسستْ دار الحكمة في عهد الحاكم بأمر الله عام 395 هجرية، وكان فيها عدد كبير من الأساتذة في الفقه والتفسير والعلوم الطبيعية المختلفة.
  • مكتبة دار العلم: وهي مكتبة كانت على صلة بمكتبة دار الحكمة، كانت تُقام في مكتبة دار العلم المناظرات بين العلماء وكانت هذه المكتبة تُمدُّ بالمؤلفات في مختلف العلوم لتسهيل وصولها إلى أيدي الناس.

سقوط الدولة العبيدية الفاطمية

لا بدَّ لكلِّ دولة مهما بلغت من القوَّة والنفوذ أن يحين موعد سقوطها، وهذا حال الدولة العبيدية الفاطمية التي ضَعُفَ نفوذ خلفائها بعد وفاة الخليفة المستنصر بالله وبعد أن زادت سلطة الوزراء وزادت ثرواتهم أيضًا، فأصبحت مسألة تعيين الخليفة وعزله في أيدي الوزراء، وفي ظلِّ ضعف الخلفاء وتسلُّط الوزراء على الحكم وعلى رزق البلاد، بدأت أحوال البلاد الاقتصادية بالتدهور، وتعرَّضت البلاد لهجمات الصليبيين الذين حاولوا الاستيلاء على مصر في تلك الفترة أيضًا، كلُّ هذه المقومات مهَّدت لسقوط الدولة العبيدية الفاطمية إلى الأبد، وبعد تهديدات الصليبيين باحتلال مصر استنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الدين الزنكي، فأغاث نور الدين الخليفة الفاطمي وأرسل له جيشًا ساهم في ردِّ الهجوم الصليبي عن مصر، وفي عام 1171م قام صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الزنكي بإلغاء الخلافة الفاطمية وإعادة مصر إلى حكم الخلافة العباسية من جديد.[٦]

المراجع[+]

  1. "سقوط الدولة الفاطمية"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
  2. "الدولة الفاطمية وخياناتها في محو السنة ونشر التشيع"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "نشأة الدولة العبيدية (الفاطمية)"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "الدولة الفاطمية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "الصراع بين الدولة الفاطمية وبين الدولة الاموية في الاندلس"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "الفاطميون"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
  7. "الأدب والعلوم في العصر الفاطمي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.