مقاصد-الشريعة-الإسلامية
مفهوم الشريعة الإسلامية
تُعرَّف الشريعة في اللغة أنّها مورد الماء، فالعرب لا تقول عن مورد الماء شريعة إلّا إذا كان دائمًا غير مقطوع،[١] ثمّ استعملته العرب للدلالة على الطريق المستقيم، فكأنّهم قد جمعوا بين المعنيين بجامع السلامة؛ ففي الماء سلامة الإنسان من الهلاك، وفي الطريق المستقيم سلامة الإنسان من الضياع والضلال،[٢] واصطلاحًا أصبحت الكلمة تدلّ على الطريق الذي اختاره الله -سبحانه- لعباده المسلمين المؤمنين به ليُخرجهم به من الظلمات إلى النور، فالشريعة هي الدين الذي ارتضاه الله -تعالى- للمسلمين، فشرّع لهم من خلاله الحلال والحرام، وبيّن لهم الأوامر والنواهي وغير ذلك، يقول -تعالى- في الضروريات الخمس، وهي:[٤]
- حفظ الدين: وحفظ الدين من أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية، فالدّين طريق الإنسان لمعرفة الحقّ عزّ وجلّ، والدين هو الذي يمنح الفرد الطمأنينة والسكون، وهو الذي يمدّ الإنسان بالضمير والوجدان، ويساعده على نشر الخير والفضيلة؛ ولذلك كلّه وأكثر قد أولى الإسلام الدين عناية خاصّة، ولذلك كان الدين ضرورة في حياة الناس؛ فالدين هو الفطرة التي فطر الله -تعالى- الناس عليها، قال تعالى في الإيمان في نفس الرجل المسلم، وأركان الإيمان هي ستّة معروفة، وهي الإيمان بالله تعالى، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشرّه، فيقول تعالى في والزكاة والحج وغيرها، فهذه الأعمال المفروضة تُوثّق الصّلة بين العبد وربّه، وتُرسّخ مفهوم الإيمان في نفس الإنسان، يقول -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربّه جلّ وعلا: "وما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدي بِشيءٍ أحبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عليهِ، و ما زالَ عَبدي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ...".[٨]
- إجابة دعوة من يدعو إلى الله، وحماية تلك الدعوة وتوفير الأمن لمن حمَلَ تلك الأمانة على عاتقه، يقول تعالى في سورة الكهف: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}.[١٢]
- تشريع عقوبة المرتد؛ وذلك من أجل أن يكون الإنسان جادًّا في اعتناقه الإسلام، فإذا أسلم الإنسان ولم يكن مقتنعًا وارتدّ فإنّه يُحدِث بلبلة فكريّة وسياسيّة تؤدّي إلى اختلال استقرار المجتمع، وهذه السياسة دعا إليها المشركون في بداية دعوة الإسلام، قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.[١٣]
- إقامة ما يشبه السياج من التحسينيّات والحاجيّات، كأداء الصلاة جماعة والعبادات النوافل وغيرها ممّا يساعد على تأصيل الدين وترسيخه في نفس الإنسان والمجتمع، وذلك يحقق الأنس والسكينة والخير للمجتمع وأفراده.
- حفظ النفس من ناحية الوجود: وذلك عن طريق تشريع الزواج للتناسل والتكاثر وإعمار العالم، وذلك من أولى مقاصد الشريعة الإسلامية، وتلك العلاقة الزوجيّة هي آية من آيات الله تعالى، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.[١٤]
- حفظ النفس من ناحية الاستمرار والدوام، ومن تلك الوسائل التي شرعها الدين في هذا المجال:
- أوجبَ على الإنسان أن يمدّ نفسه بما يحفظ حياته من طعام وشراب وملبس ومسكن، فمن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ هذه النفس لما لها من أهمية في المجتمع.
- أوجبَ على الدولة توفير الأمن العام للأفراد عن طريق إيجاد الأجهزة الكفيلة بذلك كالقضاء والشرطة وغيرها.
- تشريع الرُّخَص إذا كان هناك أعذار توجب المشقّة.
- الحفاظ على كرامة الإنسان كمنع سبّه أو شتمه أو قذفه، ومنع نشاط الإنسان غير المُسوّغ، وبذلك يضمن الإسلام كامل حرّيًات البشر كالفكر والإقامة والتنقّل وإبداء الرّاي وغيرها، يقول تعالى في سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}.[٣١]
- حرّم الإسلام الاعتداء على أعراض الناس، فحرّم الزّنا وحرّم قذف الأعراض، يقول تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}،[٣٢] وقال تعالى كذلك: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}.[٣٣]
- حفظ المال: من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ المال للإنسان؛ إذ إنّ حبّ التّملّك عند الإنسان أمرٌ فطريٌّ، وقد ضمن الإسلام هذا الحقّ للإنسان؛ فحمى حقّ الملكيّة الفرديّة وضبطها بضوابط وشروط لئلّا يطغى الإنسان على أخيه الإنسان ويختلّ نظام المجتمع القائم على العدل والمساواة، ومن تلك النّظم والضوابط كانت الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء وتُعطى للفقراء، وكذلك الإرث والضمان الاجتماعيّ وغير ذلك، وقد شرع الإسلام بعضًا من التّشريعات التي تشجّع على اكتساب المال، وتصونه وتحفظه وتنمّيه، ومن تلك التشريعات:
- إيجاد الوسائل التي تحفظ المال إيجادًا وتحصيلًا، ومنها:
- الحث على السعي لاكتساب الرزق والمعيشة، وقد عدّ الإسلام الضربَ في الأرض لاكتساب المال بنيّةٍ صادقةٍ صالحةٍ ضربًا من ضروب العبادة لله تعالى، يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}.[٢٩]
- رفع الإسلام من قدر العامل الذي يأكل من كسب يمينه وأعلى قدره، قال صلّى الله عليه وسلّم: "ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ -عليه السَّلامُ- كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ"،[٣٤] وكذلك قد ضمن الإسلام للعامل حقّه، فقال -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربّه: "قالَ اللَّهُ تَعالَى: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ".[٣٥]
- أباح الإسلام المعاملات العادلة التي لا ظلم فيها، وكذلك التي ليس فيها اعتداء على حقوق الآخرين؛ لذلك فقد أقرّ الإسلام أنواع العقود التي كانت موجودة قبل الإسلام، ولكن بعد أن نقّاها من الظلم الذي كان فيها، كعقود البيع والأجار والرّهن والشّركة وغيرها، وكذلك فتح المجال أمام أنواع جديدة تستحدثها الحياة الجديدة على ألّا يكون فيها ظلم أو إجحاف، أو أكل لأموال الناس بالباطل.
- إيجاد الوسائل التي تحفظ المال بقاءً واستمرارًا، ومنها:
- ضبط التصرّف بالمال في حدود المصلحة العامّة، وكذلك تحريم اكتساب المال بطريقة غير مشروعة، لذلك فقد حرّم الرّبا لما يلحقه من ضرر في المجتمع، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.[٣٦]
- حماية أموال الآخرين وتحريم الاعتداء عليها بالسرقة والسطو وغيرها، ووضعَ العقوبة الرادعة لذلك، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.[٣٧]
- الحثّ على إنفاق المال بالطّرائق المشروعة، ومنع إنفاقه في الوجوه غير المشروعة؛ وذلك تحت قاعدة عظيمة هي أنّ المال لله تعالى، وأنّ الفرد مستخلفٌ فيه ووكيلٌ عليه، يقول تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}.[٣٨]
- وضع التشريعات التي تتكفّل بحفظ أموال الصغار واليتامى ومن لا يحسنون التّصرّف بأموالهم إلى أن يبلغوا سن الرّشد، وهنا يأتي دور ما يُعرف بالوصي، يقول تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا}.[٣٩]
- تنظيم التعامل المادي على أساس الرضا والعدل، ومن هنا فقد قرّر الإسلام أنّ العقود لا تكون ماضية بين المتعاقدين ما لم تكن عن تراضٍ بينهم، ولذلك كان القمار حرام شرعًا، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.[٤٠]
- دعا الإسلام إلى استثمار المال وتنميته حتى يؤدّي وظيفته في المجتمع، ومن هنا حرّم الإسلام حبس المال وكنزه، قال تعالى: {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ}،[٤١] وبذلك يكون الإسلام قد حفظ المال وصانه عن الولوج في طريق الفساد، وبذلك تكون الشريعة قد صانت مصالح الإنسان الأساسيّة التي هي من أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية.
- إيجاد الوسائل التي تحفظ المال إيجادًا وتحصيلًا، ومنها:
خصائص الشريعة الإسلامية
بعد الوقوف على مقاصد الشريعة الإسلامية ينبغي الوقوف مع خصائصها، فإنَّ الشريعة الإسلامية قد أنزلها الله -تعالى- من عنده ليُبيّن للناس طريق العبادة الصافية التي لا زيغ فيها ولا ضلال، وكذلك ليتعلّم المسلمون طرائق التعامل مع بعضهم بعضًا ومع غيرهم من أصحاب الديانات والملل، وهذه كلّها لا يستطيعها الإنسان مهما حاول أو اجتهد، ولذلك كان هناك ما يُعرف باسم خصائص الشريعة الإسلامية، فمن خصائص الشريعة الإسلامية أنّها:[٤٢]
- شريعةٌ ربّانيّة: فهي ليست مثل الدساتير التي تضعها الأمم الأخرى لتحكم الناس من خلالها.
- معصومةٌ من الخطأ: وإن كانت الشريعة الإسلامية من عند الله -تعالى- فهذا يقتضي أنّه يستحيل الخطأ فيها، وتعالى الله عن الخطأ، بل هي معصومة محفوظة بحفظ الله -تعالى- لها، فيقول -تعالى- في الإمام البخاريّ في صحيحه: " إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ".[٤٧]
المراجع[+]
- ^ أ ب "تعريف الشريعة، والفقه، وأصول الفقه."، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 27-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "مفهوم الشريعة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-01-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الجاثية، آية: 18.
- ^ أ ب "مقاصد الشريعة الإسلامية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-01-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 30.
- ↑ سورة البقرة، آية: 285.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 185.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1640، حديث صحيح بمجموع طرقه.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 104.
- ↑ سورة الحج، آية: 40.
- ↑ سورة البقرة، آية: 190.
- ↑ سورة الكهف، آية: 107.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 72.
- ↑ سورة الروم، آية: 21.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 58.
- ↑ سورة النساء، آية: 29.
- ↑ سورة المائدة، آية: 32.
- ↑ سورة البقرة، آية: 178.
- ↑ سورة النساء، آية: 92.
- ↑ سورة النساء، آية: 75.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 72.
- ↑ سورة المائدة، آية: 90.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 24.
- ↑ سورة طه، آية: 114.
- ↑ سورة الزُّمَر، آية: 9.
- ↑ سورة غافر، آية: 56.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 36.
- ↑ سورة النساء، آية: 82.
- ^ أ ب سورة المُلك، آية: 15.
- ↑ سورة الروم، آية: 21.
- ↑ سورة النور، آية: 27.
- ↑ سورة النور، آية: 2.
- ↑ سورة النور، آية: 4.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم: 2072، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2270، حديث صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 275.
- ↑ سورة المائدة، آية: 38.
- ↑ سورة الحديد، آية: 7.
- ↑ سورة النساء، آية: 6.
- ↑ سورة النساء، آية: 29.
- ↑ سورة التوبة، آية: 34.
- ↑ "خصائص الشريعة الإسلامية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-01-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية: 9.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 1.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 158.
- ↑ سورة الحج، آية: 78.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 39، حديث صحيح.