سؤال وجواب

العصور-الوسطى-في-أوروبا


التاريخ والعصر

إنّ تتابع الزمن والتاريخ يجعلُ من الملاحَظ أن الزمن يتألّف من عدّة عصورٍ، وهذه العصور تختلف بطبيعة الحال بطباعها وخصائصها وسماتها، ولكن ذلك لا ينفي أنّها تظل مترابطةً متصلةً يؤثر بعضها على بعضٍ، فلربما رسم سابقها معالم حاضرها، وبهذا يظلّ التاريخ متماسكًا متسلسلًا يفضي بعضه إلى بعض، وبناءً عليه أتى علماء التاريخ فقسموه على امتداد الزمن إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسةٍ فكانت العصور التاريخية في عصورٍ قديمةٍ وعصورٍ وسطى وأخيرةٌ هي العصور الحديثة، وهنا يبحث المقال في أوضاع العصور الوسطى في أوروبا كحقبةٍ زمنيةٍ لها صفاتها الخاصة ومعالمها الفريدة، وهي فترةٌ حافلةٌ بالأحداث والتقلبات على مستوى العالم، ولهذا فإن تخصيص الحديث عن هذه العصور وحدها يجعل الحديث حولها أمرًا ممكنًا نسبيًا.[١]

العصور الوسطى

الفكرة في مصطلح العصور الوسطى فكرةٌ عميقةٌ فهي لم تكن المسمى الذي عرفه الناس آنذاك في تلك الحقبة، كما أنّهم لم يدركوا إلا كونهم يعيشون أرقى وأحدث ما توصل له العلم والعقل البشري، وعلى هذا فإن قول إن مصطلح العصور الوسطى مصطلحًا مظلومًا لا يعدّ شططًا فهو وعن غير قصدٍ منه -على كونه ليس ذا عقلٍ أصلًا- حمل ذلك الظلام الذي كان في تلك العصور، حتى هذه اللحظة لا يُستبعد أن تكون هذه الفترة من الزمن -والتي تشهد تطورًا تقنيًا تكنولوجيًا مهولًا- لا يستبعد أن تكون عصورًا وسطى جديدة قياسًا بالمستقبل الذي ربما يصفها بذات المصطلح المظلوم، كانت العصور الوسطى في أوروبا تشهد تخلفًا كبيرًا وحال أوروبا فيها مدار بحث هذا المقال.[٢]

الرومان والعصور الوسطى

إن دراسة تاريخ العصور الوسطى في أوروبا لا يمكن أن يبدأ من لحظتها وبدايتها، ذلك أن تلك العصور حتمًا كانت نتيجةً لعوامل أقدم وتراكماتٍ أبعد، ولعل أبرز ما كان ضمن هذه العوامل والظروف هو حال الدولة أو البربر التي تسللت إلى داخل الأراضي الرومانية وتجانست مع أهلها وسكانها من جانبٍ أخر.[٣]

في طبيعة الحال لا يمكن تحميل تاريخ العصور الوسطى في أوروبا على كاهل الإمبراطورية الرومانية، ذلك أنها كانت بحقٍ أعظم حضارةٍ عرفها التاريخ في وقتها، فهي الحضارة الوحيدة التي عرفها التاريخ ضمن مدى حدودها الفسيح الشاسع والمهول، ويكفي في هذا الصدد أن يستعرض المقال قدرة الإمبراطورية الرومانية على بناء نمطٍ اجتماعيٍ وسياسيٍ وإداريٍ تميز بالكفاءة العالية، والدقة المتناهية، ذلك أن هذه النظم كانت تطبق على مساحةٍ من الأرض شاسعة، ولهذه المساحة بطبيعة الحال شعوبها المختلفة، وحضاراتها المتباينة، وهذا بحد ذاته مؤشرٌ على رقي الحضارة الرومانية، ولا شكّ أن تقسيم الإمبراطورية الرومانية الذي أدى إلى ظهور سلطة البابا في الكنيسة الغربية وتغول الإمبراطور على الكنيسة الشرقية أسهم وإلى حدٍّ بعيدٍ في ترسيم معالم تاريخ العصور الوسطى في أوروبا.[٣]

العصور الوسطى في أوروبا

يقول موريس بيشوب في كتابه تاريخ أوروبا في العصور الوسطى والذي ترجمه علي السيد إلى العربية: "كانت العصور الوسطى في أوروبا فترة استمراريةٍ وتكوين لروما القديمة في الجنس البشري، وفي اللغة، وفي المؤسسات، وفي القانون والآداب والفنون ... فاللغة الإنجليزية تشكلت في العصور الوسطى وأخذت من كل مصدر، فمن اللغة السنسكريتية إلى اللغة الايسلندية، وهي رمزٌ لثقافتنا متعددة المشارب."[٤]
تماشيًا مع اختلاف العلماء حول تحديد تاريخ سقوط روما ودون ترجيح رأيٍ على آخر، المهم أنّ سقوط روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية كانت نقطة التحول الرئيسة من العصور القديمة إلى العصور الوسطى، فاضمحلت المدن مساحةً وسكانًا إلى جانب انحدار مستوى الخدمات إلى الحضيض، ومجددًا فإن نقطة التحول بين العصرين، القديم والأوسط، شهدت ارتفاعًا لشأن الكنيسة خاصةً عقب اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية بعد أن ترك الوثنية.[٤]

مرةً أخرى فإن أهمّ سمات العصور الوسطى في أوروبا كانت قد تمثلت بإعلاء شأن المسيحية وتغوّل سلطتها، وبما انعكس ذلك على ازدهار مؤسساتها وتعاظم نفوذ رجالاتها وعليه فإنّ رجال الدين في العصور الوسطى في أوروبا أصبحوا ذو كلمةٍ نافذةٍ وهيمنةٍ مطلقةٍ، وبهذا فإن المدارس أصبحت لا تعدو كونها أبواقًا تنفخ بها الكنيسة ورجالها أنّا شاؤوا، حيث لا مجال ولا مكان للعلوم ولا قيمة لها، ولم يكن الأمر ليقف عند ذلك إذ تحول الأمر لحربٍ طاحنةٍ تشنها الكنيسة على العلم والعلماء وفي قصة كروية الأرض أكبر مثال على ذلك، حيث كان العلم بصورةٍ أو بأخرى يبين للناس كذب الكنيسة وخرافاتها في ذلك الوقت.[٤]

الإسلام في العصور الوسطى

ربما ليس من قبيل المصادفة أن تعاصر دولة الإسلام في ذروتها ومجدها انحطاط العصور الوسطى في أوروبا، وإن العبرة الحق في ذلك يمكن تلخيصها فقط بإعمال العقل وإطلاق عنان العلوم، فالإنسان في النهاية يعيش حياته في هذه الأرض ومن واجباته الرئيسة التي كلفه بها الله سبحانه أن يقوم بعمارتها، وهذا لا يكون بلا عقلٍ وعلمٍ، وهذا ما لم يهمله الإسلام العظيم في رسالته الخالدة، بينما هناك في أوروبا وفي عصورها المظلمة تلك عمل باباوات الكنيسة على استغلال الدين وتوظيفه لخدمة مصالحهم.[٣]

لقد دانت أوروبا في رقيها الذي عقب العصور الوسطى إلى العرب، ولعل أبسط مثالٍ يمكن ذكره على هذه العجالة هو صناعة الورق، وفي ذلك تقول زيغرد هونكة الكاتبة الألمانية في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب: "بعد اختراع الورق بعدو قرون غدت أوروبا في حاجةٍ ماسةٍ إليه، لكثرة ما كانت تنسخ من وثائق، فتعرفت عليه أولًا، واستوردته ثانيًا ... ولا جرم أن هذا الورق، حينذاك، أضاف صفخةً مشرقةً لتاريخ العرب متفتحي التفكير، دائمي النشاط."[٥]

المراجع[+]

  1. سعيد عاشور (2007)، الجامعات الأوروبية في العصور الوسطى، القاهرة- مصر: دار الفكر العربي، صفحة 1،2. بتصرّف.
  2. موريس بيشوب، علي السيد (2005)، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى (الطبعة الأولى)، القاهرة- مصر: المركز القومي للترجمة، صفحة 11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت سعيد عاشور، اسمت غنيم (1976)، تاريخ اوروبا فى العصور الوسطى، بيروت- لبنان: دار النهضة العربية، صفحة 7،8،10،48،49. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت موريس بيشوب، علي السيد (2005)، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى (الطبعة الأولى)، القاهرة- مصر: المركز القومي للترجمة، صفحة 11-28. بتصرّف.
  5. زيغرد هونكه، فاروق بيضون، كمال دوقي (1993)، شمس العرب تسطع على الغرب (الطبعة الثامنة)، بيروت- لبنان: دار الجيل، دار الافاق الجديدة، صفحة 46. بتصرّف.