سؤال وجواب

عبارة-شكر-لأبي-وأمي


عبارة شكر لأبي وأمي

كنسمةٍ صيفيةٍ عليلةٍ، وكما يهطلُ الغيمُ على أرضٍ بورٍ، لا ماءَ فيها ولا كلأ، وكما يشاء قلبي، مُسلمًا إياه زمام مشاعري، وحانيًا عُنقَ لغتي، لأبعث هذه الكلمات على بُراقٍ من حنين عبارة شكر لأبي وأمي، عبارة شكر على كلِّ دقيقة سهراها فوق رأسي، وعلى كلّ ابتسامة رسماها على وجهي، وعلى كلِّ ضحكة هيآها لي، وعلى كلِّ ثانية تعبا فيها في سبيل لقمة الخبز العصيّة على أغلب الناس.

إلى أبي الذي حملَ الأفق بيديهِ، ومدَّهُ لي جسرًا نحو مستقبلٍ أفضل، إليه وهو يشمّر عن ساعديه كلَّ صباح، ويُطعم معدتَهُ لُقيمات صغيرة، ويخرجُ ليؤمِّنَ لُقيمات اليوم التالي، إليهِ عرّابًا لكلِّ الأزمنة، ونايًـا بامتداد الألم، وكمانًا ينزف ولا يعزف، إلى أبي وهو يسقيني شربة ماء في نهار ظامئ.

أكتبُ إليه هذه الكلمات، وقلبي مُشبعٌ بالدفء، لأنّه لم يزلْ يستشعر الدفء الذي لديه، أكتبُ بيدين راعشتين، وبقلب مطمئنٍّ لأنّه تعلّم مواجهة الحياة على يدي أبي، فأقول: شكرًا بكلِّ لغات الحب وبكلِّ حروف الجمال على عطائكَ الذي كانَ ولم يزلْ غزيرًا لا يجفّ ولا يفنى، شكرًا لأنّكَ علمتني ألّا أقول إلّا الحق، وألّا آكلَ إلّا من حلال، ولا أشرب إلا من حلال، شكرًا لأنّكَ أنشأتني على الإسلام، وربّيتني على الإيمان، فعرفْتُ أنَّ الله حق، والجنة والنار حقٌّ، فالتزمتُ الصّلاح، ولقمة العيش الحلال، وحبَّ النَّاس، وحبَّ الخير للنَّاسِ أجمعين.

وإلى أمّي، أيلولي الوحيد، الذي لم يذكرْهُ الشعراء من قبل، إلى أمي حادية الضوء، وخازنة الجمال الأولى، إلى المربّية الأولى في نظري، التي حبوت ومشيت أولى خطواتي على يديها، ونطقت أوّل كلماتي على مسمعها، وبكيتُ أوّل دمعة أمام عينيها، فأبتْ إلّا أن تمسحها بوابلٍ من الحنان، وبقافلة من الحب والخوف والحذر، إليها وهي تسهر الليل فوق رأسي، تضمّدُ جرحي، وترعى حزني، وتمسكُ يدي بقليل من صرامة الأم، فيخرج قلبي من صدري ويرفرف في سماء من الوردِ والضحك والفرح، وإلى أطهر كائنة على وجه الكوكب، شكرًا لكلِّ لحظة وجع عشتها لأجلي، فلستَ أنسى أيتها النقيّة، مقدار المعاناة التي سببتها لك وأنا حديث العهد مع المدرسة، ولن أنسى التعبَ الذي حملتِهِ لكي أستطيع كتابة أوّل حرف بيدي الصغيرتين، وبأصابعي الناعمة، ناعمًا كنت يا أمي وطريَّ الأصابع، ولم أزلْ أرجعُ طفلًا كلّما مررتِ على بالي الذي لم تغادريه أصلًا، شكرًا لأنّكِ علمتني مخافة الله عزّ وجلّ، ودوام مراقبتهِ، شكرًا لأنّكِ الإنسان الوحيد الذي كانَ بجانبي ولما يزل بجانبي، دون أن أطلبَ منه أن يكون كذلك.

إلى أصدقِ مخلوقيْنِ في هذا العالم، أهديكُما هذه الكلماتِ عبارة شكر وإجلال واحترام، على كلِّ ثانية مرّت، وأنتما تزرعان في قلبي الوردَ وتقتلعان شوكَ الحياة الموجع، شكرًا لورودكم التي لا تعرف إلّا العطرَ والحبَّ والجمال.