مأساة-الحلاج
الشعر المسرحي
يمكن تعريف الشعر المسرحي على أنَّه أحد الفنون الأدبية الشهيرة، ويكون هذا الفنُّ بدخولِ الشعر على النصّ المسرحي، والمقصود أن يُكتبُ النّصُّ المسرحي شعرًا بغض النظر عن نوع هذا الشعر، أي إذا كانَ شعرَ عمود أو شعر تفعيلة، وهذا الفنّ حديث العهد في الأدب العربي، فقد برزَ الشعر المسرحي في كتابات أحمد شوقي، الذي رسّخ هذا الفنّ ببعض أعمالِهِ، وتابَعَ بعدَهُ عدد من الشعراء الذين أوْلوا هذا الفنَّ اهتمامًا كبيرًا، مثل: صلاح عبد الصبور، وهذا المقال سيتحدث عن صلاح عبد الصبور وتجربتِهِ في هذا المجال الأدبي، وسيسلّط الضوء على مأساة الحلاج وعلى الرؤية الفكرية في هذه المأساة.
صلاح عبد الصبور
شاعر وكاتب وأديب مصريٌّ، وُلِدَ صلاح عبد الصبور في قريةٍ بسيطة من القُرى الشرقية لدلتا نهر النيل، ودرسَ اللغة العربية وآدابها، وهو من رائدي حركة الحداثة العربية في الشعر العربيّ؛ نتيجة اطلاعِهم الكبير على التجارب الشعرية الغربية، ويُعدُّ صلاح عبد الصبور من القلّة الذين اهتمّوا بفن الشعر المسرحي، فهو من الشعراء الذين تابَعوا بناء هذا الفن بعد أمير الشعراء أحمد شوقي، وقد كانَ صلاح عبد الصبور مهتمًّا بأفكار الشعراء والأدباء الصوفيين كالحلاج وبشر الحافي والسهروردي، فتأثّر بهم واستحضرهم كشخصيّات رئيسة في كثير من قصائدهِ وفي كثير من أعمالِهِ خاصّة الشعر المسرحي، ولعلَّ أهم مؤلّفاتِهِ في الشعر المسرحيِّ هي: مسرحية "الأميرة تنتظر"، ومسرحية "بعد أن يموت الملك"، ومسرحية "مأساة الحلاج".
وسيكون التفصيل في تتمّة هذا المقال عن المسرحية الأخيرة وهي "مأساة الحلاج" التي استحضر فيها صلاح عبد الصبور شخصية الحلاج الصوفية وعرضَ مأساتَهُ، وقد تُوفّي صلاح عبد الصبور بأزمة قلبية حادّة في منزل صديقه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عام 1981، تاركًا وراءَهُ نتاجًا أدبيًّا عظيمًا، وممهّدًا للأصواتِ القادمةِ الطريقَ للمُضيِّ قُدمًا في مفهوم الحداثة العربية، وتاركًا لهم راية الشعر المسرحي عاليةً عُلوَّ هامتِهِ وكلماتِهِ. [١].
نبذة عن مأساة الحلاج
بعدَ ما وردَ سابقًا من حديث عن صلاح عبد الصبور، وحديث عن أهمّ إنجازاتِهِ الأدبيّة، وبعد ما مرَّ من عرض اهتمام صلاح عبد الصبور بالشعر المسرحي، فلا بدَّ من التفصيل في إحدى مسرحياتِهِ، وهي مسرحية "مأساة الحلاج"، هذه المسرحية التي تُعدُّ من أهمِّ المسرحيات الشعرية في العالم العربي، وهي وليدة اهتمام صلاح عبد الصبور بالأدباء والشعراء الصوفيين، والذين كان يستحضرهم في أعمالِهِ كشخصيّات أساسية وهذا واضح في مسرحية مأساة الحلاج التي كانَ قد نشرها عام 1966 متنبئًا بهزيمة حرب عام 1967.
وتتألف مسرحية عبد الصبور من فصلين وهما: الكلمة والموت، ولعلَّ أبرزَ سمة اتسمتْ بها هذه المسرحية هي الخروج عن المألوف، فقد كانتْ تختلف عن موضوعات الأعمال الأدبية في تلك الفترة والتي ركّزتْ على المبادئ القومية العربية والشعارات التي انتشرت بكثرة في تلك الفترة، فكانتْ هذه المسرحية ضد التيار السائد، متمثلةً بشخصية الشاعر الحلاج وساردة قصة قتلِهِ ومحاكمتِهِ، معتبرًا صلاح عبد الصبور مقتل الحلاج مأساة كاملة. [٢].
الرؤية الفكرية في مأساة الحلاج
إنَّ الناظر في مسرحية مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور، سيعرف تمامًا أنَّ الذي أرادَهُ الكاتب هو إحياء هذا الرمز الأدبي الذي قُتِلَ مصلوبًا بعد محاكمتِهِ من عدد من القضاة في بغداد، فالرؤية الفكرية التي أرادها الكاتب في مسرحيتِهِ هي إعادة إحياء أفكار الحلاج الذي واجَهُ الحياة والموت بنفس الحالة النفسية، والذي مات في سبيل الكلمة، لذلك قسّم صلاح عبد الصبور مسرحيتَهُ قسمين وأسماهما: الكلمة والموت، وإنّما أراد بهذا التبويب والتقسيم أنْ يبيّن للقارئ الصلة الكبيرة بين الكلمة والموت، الكلمة التي ماتَ الحلاج من أجلِها قبل أن يترجمها إلى أفعال ملموسة ومرئية.
وتتجلى أسمى أفكار الكاتب التي استمدّها من بحثِهِ في شخصيتِهِ في علاقة الجسد بالحروف والكلمات، فالكلمات تبقى وتدوم وتتنقل على ألسنِ الناس، والجسد آيل للفناء، وهذه إحدى اعتقادات الصوفية التي تجمع بين الموت والحياة بصيغة الجسد الذي يدل على الموت، والكلمات التي تدلّ على الحياة، وهذا ما وردَ جليًّا في المسرحية حين قال صلاح عبد الصبور: أحببنا كلماته أكثرَ مما أحببناه فتركناه يموتُ لكي تبقى الكلمات.[٣]المراجع[+]
- ↑ صلاح عبد الصبور, ،"www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 20-10-2018، بتصرّف
- ↑ الأدب المقارن, ، "www.shamela.ws"، اطُّلِع عليه بتاريخ 20-10-2018، بتصرّف
- ↑ "مأساة الحلاج"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2018. بتصرّف.