سؤال وجواب

ديك-الجن-الحمصي


شعراء العصر العباسي

شهدَ العصر العباسي حركة شعريّةً خالدة، متمثلة بشعراء عُدُّوا من أهمّ التجارب الشعرية في الشعر العربي على مرِّ التاريخ، مثل: أبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي نُوَاس وأبي العتاهية والبحتري وأبي تمام والشريف الرضي وأبي العلاء المعرَّي، وهذا ما جعل العصر العباسي من أعظم العصور التي مرّت على تاريخ الأدب، وقد حاول الشعراء في هذا الالتزام بالأغراض الشعرية الموروثة، فكتبوا في الرثاء والغزل والمديح والهجاء كمن سبقهم، وظهرتْ أيضًا خمريّات أبي نواس ومسلم بن الوليد الشهيرة، وهذا المقال سيسلّط الضوء على أحد شعراء العصر العباسي وهو ديك الجن الحمصي وقصته ومختارات من شعرِهِ.

نبذة عن ديك الجن الحمصي

هو عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب، شاعر عباسيٌّ مُجيد، وُلِدَ وماتَ في مدينة حمص في سوريا اليوم، وتقول الروايات: إنّه عاش ما يزيد عن سبعين عامًا، بين عامي 778 و 850 للميلاد، وقُد اختلفتِ الروايات الواردة في سبب تسميته بهذا الاسم، فقيل إنَّ سبب تسميته بديك الجن عائدٌ إلى أنّه كان صاحب عينينِ خضراوين تشبهان ألوانَ الديك، وقيلَ أيضًا إنّه سُمِّي بهذا الاسم لرثائهِ ديكَ أبي عمرو بن جعفر، ومنهم من اتهمه بالجنون وقال إنّه كانَ مجنونًا يُقلِّدُ صوتَ الديك.

وهذه من الروايات التي كذَّبها من درسوا أدبه وشعره، فقد نفوا جنونَهُ أبدًا، وكانَ شعرُهُ حديثَ أهل العراق، فقد أُعْجِبَ بقولهِ الأدباء في العراق رغم كونِهِ في حمص، وكانَ -كما وردَ عنه- منغلقًا على نفسهِ فلم يسعَ لشهرة شعرِهِ وكانَ شديد الخوف من مقارعة فحولِ الشعراء، حتّى قال له أبو نواس ذاتَ مرّة: "اخرج فلقد فتنتْ أهل العراق"، كتبَ ديك الجن في أغراض الشعر المعروفة عند العرب، وقال أبو الفرج الأصفهاني عنه: "هو شاعر مُجِيدٌ، يذهب مذهب أبي تمام والشاميين في شعره"، تُوفِّيَ ديك الجن في حمص سنة 850 للميلاد، وخلّف وراءه إرثًا شعريًّا جميلًا، لم يزلْ حتى هذا اليوم محطَّ اهتمام عدد من الدارسين. [١].

قصة ديك الجن الحمصي

كما وردَ سابقًا، فقد عاش ديك الجن في حمص ومات فيها وكانَ شاعرًا من الفحول، افتُتِنَ بشعرهِ أهل العراق، وكانَ في الشعر على مذهب الشاميين كأبي تمام كما وردَ عن أبي الفرج الأصفهاني، وقد ذكر المؤرخون أنَّ ديك الجن كانَ شعوبيًّا يرى أنّه لا فضل للعرب على العجم في أي شيء، وبطريقة أخرى كان شديد العصبية ضد العرب، وهذا ما ذكرَهُ أبو الفرج الأصفهاني في كتابِهِ أنَّ ديك الجن قال: "ما للعرب علينا فضلٌ، جمعتنا وإياهم ولادة إبراهيم، وأسلمنا كما أسلموا"، وهو عربي من أصل عربي وأجداد عرب، ولكنّه أكّد شعوبيتَهُ ورسّخها في عقول الناس عندما قال: [٢]

إنْ كَانَ عُرْفُكَ مَذْخُوراً لِذِي سَبَبٍ             فَاضْمُمْ يَدَيْكَ فَإنَّي لَسْتُ بِالعَرَبِي

إنَّي امْرُؤٌ بَازِلٌ فِي ذُرْوَتَيْ شَرَفٍ               لِقَيْصَرٍ وَلِكِسْرَى مَحْتَدِي وَأَبِي

تلقّى ديك الجن تعليمَه في المساجد شأنه في هذا شأن كثير من الناس في تلك الفترة، قضى معظم أيام شبابه في لهو يستمتع بالملذات والشهوات، وقد عاش قصة حبٍّ كبيرة مع فتاة يحسب المؤرخون أنّ اسمها وردٌ، قال فيها شعرًا كثيرًا، وتزوجها ديك الجن فيما بعد، ثمَّ ساءتْ حالُهُ وعاش فترة من الفقر بعد ما أسرف وبذّرَ في الملذات والشهوات، فسافر بحثًا عن رزقِهِ وغاب فترة طويلة، وفي غيابِهِ وجّه ابنُ عمِّهِ تهمة الخيانة لزوجتِهِ ورد، وشاعتْ هذه التهمة بين الناس، فعاد ديك الجن وقتل زوجتَهُ ورد، وقال في هذه الحادثة عدّة قصائد منها:

خُنْتِ سِرِّي مُوَاتِيَهْ        وَالْمَنَايَا مُعَادِيَهْ

خُنْتِ سِرِّي ولَمْ أَخُنْــ     كِ فَمُوْتِيْ عَلانِيَةْ

وبعدَ أن عرف ببراءة زوجتِهِ، ظلَّ شهرًا كاملًا يبكي ما فعلَ، نادمًا متحسِّرًا، وقال شعرًا في ندمِهِ:

يا طَلْعةَ طَلَعَ الحمَامُ عليها             وَجَنَى لَهَا ثَمَرَ الرَّدَى بِيَدَيْها

رَوَّيْتُ مِنْ دَمِها الثَّرى ولَطالَمَا          رَوَّى الْهَوَى شَفَتَيَّ من شَفَتَيْها

فكانت هذه الحادثة جرحًَا ينزف في قلب ديك الجن حتّى وفاتِهِ عام 850 للميلاد، واشتهرت قصتُهُ مع زوجتِهِ وذاع سيطها، فكُتبت ومُثِّلتْ في مسرحيات وروايات وقصص.

مختارات من شعر ديك الجن الحمصي

بعد ما وردَ من حديث عن حياتِهِ وقصَّتِهِ مع زوجتِهِ، لا بدّ من ذكرِ بعض المختارات من شعر ديك الجن الحمصي. [٣]

  • قال في إحدى قصائده:

وكأسُ صهباءَ صِرْفٍ ما سَرَتْ بِيَدٍ               إلى فمٍ فَدَرى ما طَعْمُ ضَرّاءِ

كأنَّ مشْيَتَها في جِسْمِ شارِبها              تَمَشِّيَ الصُّبْحِ في أَحشاءِ ظَلْماءِ

  • وقال أيضًا:

على هَذِهِ كانَتْ تَدورُ النَّوائِبُ                     وفي كُلِّ جَمْعٍ للذَّهابِ مَذاهِبُ

نَزَلْنا عَلى حُكْمِ الزَّمانِ وأَمْرِهِ                      وهَلْ يَقْبَلُ النَّصْفَ الأَلَدُّ الُمشاغِبُ

ويَضْحَكُ سِنُّ المَرْءِ والقَلْبُ مُوْجَعٌ                 ويرضى الفتى عن دهرهِ وهو عاتبُ

أَلا أَيُّها الرُكْبانُ والرَّدُّ واجِبٌ                         قِفُوا حَدِّثُونَا ما تَقولُ النَّوادِبُ

إلى أيِّ فِتْيَانِ النَّدى قَصَدَ الرَّدى                  وأَيَّهُمُ نابَتْ حماه النَّوائِبُ؟

فيا لأبي العباسِ كمْ ردَّ راغبٌ                      لفقدكَ ملهوفاً وكمْ جبَّ غاربُ

ويا لأبي العبَّاسِ إنَّ مناكباً                          تَنوءُ بما حَمَّلْتَها لنواكِبُ

فهالَتْ أَخاً لم تَحْوِهِ بِقَرَابَةٍ                          بلى، إنَّ أخوانَ الصفاءِ أقاربُ

وياقبرهُ جدْ كلَّ قبرٍ بجودهِ                           ففيكَ سماءٌ ثرةٌ وسحائبُ

فَإنَّكَ لَوْ تَدْري بما فيكَ مِن عُلا                    عَلَوْتَ وباتَتْ في ذَراكَ الكواكِبُ

أَخاً كُنْتُ أَبْكيهِ دَماً وهْو حاضِرٌ                    حذاراً وتعمى مقلتي وهو غائبُ

فماتَ فلا صبري على الأجرِ واقفٌ               ولا أَنا في عُمْرٍ إلى اللَّهِ راغِبُ

أأسعى لأحظى فيكَ بالأجرِ إنَّهُ                   لسعيٌ إذنْ مني إلى الله خائبُ

  • وقال ديك الجن أيضًا:

حبيبي مقيمٌ على نائهِ              وقلبي مقيمٌ على رائهِ

حنانيكِ يا أملي دعوةً                 لِمَنْ صارَ رحمةَ أَعدائِهِ

سَأَصْبِرُ عنكِ وأَعْصى الهوى         إذا صَبَرَ الحُوتُ عنْ مائِهِ  

المراجع[+]

  1. نبذة حول: ديك الجنّ, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 26-10-2018، بتصرّف
  2. ديك الجن الحمصي, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 26-10-2018، بتصرّف
  3. العصر العباسي: ديك الجن, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 26-10-2018، بتصرّف