شعرية-الفلسفة-عند-المعري
من هو رهين المحبسين
هو أحمد بن عبد الله بن سليمان، يعودُ في نسبه إلى قبيلة قضاعة من أهل معرة النعمان في الشمال السوري، وُلِدَ في المعرة في سوريا سنة 367 هـ/ 973م، وأصابَه مرض الجدري الذي أفقدَه بصرَه فعاش كفيفًا ضريرًا طيلة حياتِهِ، ونطقَ الشعر في سنِّ مبكرة، وتعلّم علوم القرآن عن الشيوخ وتعلّم علم الحديث، سافر إلى بغداد وأقام فيها مدّة زمنية قبل أن يعود؟َ إلى المعرّة، لُقِّبَ برهين المحبسين لأنّه اعتزل الناس لآرائهِ الدينية والفلسفية المثيرة للجدل، فكان رافضًا لكثير من مبادئ الدين الإسلامي، واسمه المشهور أبو العلاء المعري وتوفّي سنة 449هـ/ 1057 م، بعد أن أثرى خزينة الأدب بنتاج شعري أدبي فلسفي عظيم.
المذهب الشعري عند المعري
تناول المعري أغراضًا شعرية تتناسب مع تفكيرِهِ العقائدي أو الديني، وقد كانَ أبو العلاء يطرقُ أبواب الشعر التي تتلاءمُ مع ما رآه من مُعاملتِهِ للناس، فكانَتْ أبياتُهُ تعكس صورَته الداخلية، ويظهر هذا واضحًا في ديوانِهِ اللزوميات، هذا الديوان الوحيد الذي كان يعبِّرُ عن حياة الإنسان وأحوال المجتمع الذي يعيشها كلُّ إنسان عربي آنذاك، فلم يكن يتناول الأمور المعتادة، أو التي اعتاد الشعر على طرقها كالشعر الذي يخرج من بلاط الحكام وقصورهم، بل خرجتْ لزوميات المعري من قلب الشعب المغلوب على أمرِهِ الواقع تحت كفِّ الفقر والمعاناة، فكانَ المعري فيه فلسفيًا في أسلوبِهِ الشعري يتحدث عن العقل والحياة وعن كيفية مواجهة الإنسان لهذه الحياة وكيف يكون الإنسان مرِنًا في تعامُلِهِ مع كلِّ ظروف حياتِهِ، وقال في هذا:
ولم تفتأِ الدنيا تغرُّ خليلَها وتبدلُهُ من غمضِ أجفانِهِ سُهْدا
تريه الدجى في هيئة النور خدعةً وتطعِـمُهُ صـاباً فـيحسبه شهْدا
وتتوضّح في لزوميات المعري على وجهِ الخصوص وفي أغلب أشعارِهِ بشكل عام علامات الزهد، أو بمصطلح أصحّ، ظهرت في شعرِهِ خاصّة في لزومياتهِ علامات تنفيرِه من الحياة بشكل عامّ، وهذا ما ظهر في البيتين السابقين، وكانَ أبو العلاء المعري يدعو الدنيا بأمِّ دفر احتقارًا وذمًّا لها، فكان المعري زاهدًا مبتعدًا عن الدنيا والشهوات والملذات، موغًلا في الشكّ والفلسفة، فأنتجَ ما استطاع أن يجاريَ به الحكماء من حكمة وتجارب عميقة مع الحياة. [١].
عقيدة المعري
يعدُّ المعري من المشكّكين الذين يطرحون الأسئلة التي قصدَها الشك في معتقداتِهم الدينية، فوقفَ موقفًا معاديًا للخرافات الدينية، حتّى وصفه النقاد بأنّه مفكر عظيم يوغل في التشاؤمِ، وكان المعري يؤمن أنّ الدين خرافةٌ ابتدعها القدماء، وهي خرافة ساذجة لا قيمة لها، ولكنّها وسيلة عظيمة لاستغلال أصحاب الشأن وتحكمهم بالشعب الساذج الضعيف، وهذا كانَ واضحًا في الخلفاء الذين عاصرَهم أبو العلاء والذين كانوا يجيشون الناس باسم الدين تحقيقًا لمصالحهم، ممّا جعل أبا العلاء يرفض كلَّ ادعاءات الإسلاميين وادعاءات الأديان الأخرى، وهذا ما ظهر جليًّا في قولِهِ في أبيات شعر عدّة: [٢]
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنَّما دياناتكم مكرٌ من القدماءِ
- وقال أيضًا:
فلا تحسبْ مقال الرُّسْلِ حقاً ولكنْ قولُ زورٍ سطّروهُ
وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ فجاؤوا بالمحال فكدَّروهُ
- وقال:
دين وكفر وأنباء تٌقَصُّ وفـر قـان ينصُّ، وتوراةٌ وإنجيلُ
في كلِّ جيلٍ أباطيلٌ، يدانُ بها فهلْ تفرَّدَ يوماً بالهُدى جيلُ
وقد كان المعري من منتقدي العديد من شعائر الإسلام وعقائده، كالحج مثلًا معتبرًا تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من خرافات الدين، التي أدّت -باعتقادِهِ- إلى الدّم المُراق نتيجة التعصّب الديني والطائفي الأعمى، كما كان المعري من أكثر رافِضي الوحي السماويّ الذي يخرج من نطاق العقل البشري؛ لأنّه فيلسوف وجوديّ، والفلاسفة يتّخذون العقل دليلًا في كلِّ شيء في هذه الحياة، ولا يصدقون الخوارق التي هي خارج قدرة استيعاب العقل البشري، وقد وصل المعري في فكرِهِ إلى حدٍّ عظيم، حتّى أنّه امتنع عن إنجاب الأطفال، وأوصى الناس بعدم الإنجاب كي لا يكون هؤلاء الأطفال الجدد فريسة سهلة لمتاعب الحياة الكثيرة، فقال في إحدى قصائده:
خفِّفِ الوطءَ ما أظنُّ أديمَ الـ أرضِ إلا منْ هذهِ الأجْسَادِ
مختارات من شعر المعري
بعدَ ما وردَ في المقال من حديث عن حياة المعري وأسلوبِهِ الشعري وعقيدتِهِ، لابدّ من المرور على بعض قصائده التي رسّخَ بها فلسفتَهُ في الحياة. [٣]
- قال المعري في قصيدته التي عنونها:
أطلّ صليبُ الدّلو، بين نجومِه يكُفُّ رجالاً عن عِبادتِها الصُّلبا
فربُّكُمُ اللَّهُ الذي خلقَ السُّهى وأبدى الثريّا والسّماكينِ والقَلبا
وأنحلَ بدْرَ التّمّ، بعد كمالِه كأنّ به الظّلماءَ قاصمةٌ قُلبا
وأدنى رِشاءً للعَراقي، ولم يكنْ شريعاً، إذا نصّ البيانُ، ولا خِلبا
وصوّرَ ليثَ الشُّب في مستقَرِّهِ ولوشاء أمسى -فوقَ غبرائه- كلْبَا
وألقى على الأرضِ الفَراقدَ، فارتعتْ معَ الفَرْقَدِ الوحشيّ، ترتقب الألبا
وأهبطَ منها الثّورَ، يكرُبُ جاهداً فتعلقَ، ظلفَيهِ، الشّوابكُ، والهُلبا
- وقال أيضًا:
لا تفرَحنّ بفألٍ، إنْ سمعتَ به ولا تَطَيّرْ، إذا ما ناعِبٌ نعبا
فالخطبُ أفظعُ من سرّاءَ تأمُلها والأمرُ أيسرُ من أن تُضْمِرَ الرُّعُبا
إذا تفكّرتَ فكراً، لا يمازِجُهُ فسادُ عقلٍ صحيحٍ، هان ما صعبُا
فاللُّبُّ إن صَحّ أعطى النفس فَترتها حتَّى تموتَ، وسمّى جِدّها لَعبِا
وما الغواني الغوادي، في ملاعِبها إلاّ خيالاتُ وقتٍ، أشبهتْ لُعَبا
زيادَةُ الجِسمِ عَنّتْ جسمَ حاملهِ إلى التّرابِ، وزادت حافرًا تَعَبا
- وقال:
إيّاكَ والخمرَ، فهي خالبةٌ غالبةٌ، خابَ ذلك الغَلَبُ
خابيةُ الرّاح ناقةٌ حفَلَتْ ليس لها، غيرَ باطلٍ، حلَبُ
أشأمُ من ناقةِ البَسوس على الناسِ، وإن يُنَلْ عندها الطلب
يا صالِ، خَفْ إن حلَبت دِرّتها أن يترامى بدائِها حَلَبُ
أفضلُ مما تضمُّ أكؤسُها ما ضُمّنتَه العِساسُ والعُلَبُالمراجع[+]
- ↑ ديوان اللزوميات, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرّف
- ↑ أبو العلاء المعري, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرّف
- ↑ الشعر الفصيح: أبو العلاء المعري, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرّف