إحسان-عباس-بين-النقد-والشعر
النقد الأدبي
إنَّ النقد الأدبي هو فنٌّ من فنون الأدب، كان منذ القدم بالغَ الأهمية ولم يزلْ كذلك، وهو فنٌّ قائم على تقييم النَّصِّ الأدبيِّ بناءً على ذائقة الناقد الذي يقوم بهذا التقييم إضافة إلى فكر هذا الناقد، وتكمن مَهمة النقد الأدبي في تجلية مواضع القوة ومواضع الضعف في النصِّ الأدبي، فالناقد هو الذي يكشف الجميل من القبيح في أي نصٍّ أدبي سواء أكان هذا النص نثرًا أو شعرًا، وجدير بالذكر أنَّ الناقد لا يكن أن يقدّم أي برهان علميٍّ على سبب اختياره فاختياراتُهُ تعتمد على الذائقة بشكل كبير، وهذا المقال سيسلّط الضوء على الناقد العربي إحسان عباس وحياتِهِ وأدبه.
حياة إحسان عباس ودراسته
وُلدَ إحسان عباس الناقد والمحقق والأديب والشاعر الفلسطيني في فلسطين في قرة عين غزال التابعة لمدينة حيفا عام 1920م، وهو من أبرز النقاد في الأدب العربي في القرن الماضي، تعلّم في بدايات حياتِهِ في مدينة حيفا، وانتقل في صغرِهِ إلى مدينة صفد الذي أخذ فيها الإعدادية، قبل أن ينتقل إلى الكلية العربية في مدينة القدس بمنحة دراسية، ثم انتقل إلى القاهرة لينال فيها شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها عام 1946م، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في عام 1954م في القاهرة أيضًا، ثمَّ عمل كمدرس في عدد من الجامعات العربية كجامعة القاهرة عام 1948م والجامعة الأردنية وجامعة الخرطوم الأمريكية، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية.
وقد عملَ إحسان عباس مدرِّسًا جامعيًّا في كلية غوردون التذكارية في السودان قبل أن ينتقل إلى جامعة الخرطوم ثم إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1961م، وكانَ -رحمه الله- عضوًا في المجتمع العلمي العربي في دمشق، وتُوفي إحسان عباس في عمّان في الأردن سنة 2003م عن عمر ناهز الثمانين عامًا عاشها في خدمة الأدب ملهمًا الأجيال اللاحقة خلاصة تجاربِهِ الطويلة مع هذه الحياة [١].
إحسان عباس ناقدًا
كان الناقد والشاعر إحسان عباس غزيرًا في علمِهِ، وهذا الأمر انعكس بشكلٍ إيجابي على غزارة إنتاجهِ الأدبي: النقدي منه والشعريّ، إضافة إلى اشتغالِهِ الكبير في مجال التحقيق والترجمة، وقد ألّفَ إحسان عباس ما لا يقلّ عن خمسة وعشرين كتابًا مختلفة المواضيع، بين النقد الأدبي والتاريخ وغير ذلك، وحقق حوالي اثنين وخمسين كتابًا من أعظم كتب العرب، وترجم ما يقارب 12 كتابًا، ولا شكَّ أنَّ اشتغاله على كلِّ هذه العلوم انعكس سلبًا على إنتاجِهِ الشعري الذي كان مقلًّا فيه بسبب انشغالِه بعملِهِ الأكاديمي.
وقد اشتهر لإحسان عباس عدد من المؤلفات النقدية التي أضاف من خلالِها للنقد العربي فكرًا جديدًا خالدًا، ولعلَّ أشهر مؤلفاتِهِ هو كتابه "عبد الوهاب البياتي والشعر العراقي الحديث"، الذي يرى فيه أنَّ شعر التفعيلة مجرد بدعة محدثة للخروج بثورة شعرية على العمود الكلاسيكي الموروث، وقد ترجم عباس كتابًا لأرسطو الذي عنونه "فنّ الشعر"، وترجم كتاب "الرؤية المسلحة" لستانلي هايمن وأصدره بعنوان "النقد الأدبي ومدارسه الحديثة"، فكان مثقّفًا عظيمًا، مطلعًا على انقد في عدد كبير من الثقافات العربية والغربية اطلاعًا كبيرًا، مما جعلَ منه شاعرًا وناقدًا كبيرًا يشهد له الأدب وتشهد له كتبُهُ بالعلم والحكمة والعظمة.
إحسان عباس شاعرًا
كان إحسان عباس شاعرًا إلى جانب اهتمام الكبير بالنقد، هذا الاهتمام الذي أثّرَ على تجربتهِ الشعرية وشغلَهُ عنها، فلم يكنْ ذا إنتاج شعريّ كبير؛ بسبب انشغالِهِ بأمور النقد والتحقيق والتدريس والترجمة، وجدير بالذكرِ أنَّه أصدر ديوانَهُ الأول بعد كتابتهِ له بما يقارب الخمسين عامًا، فقصائد إحسان عباس التي كتبها في أربعينيات القرن الماضي، ظهرت عام 1999م في ديوانه الذي عنونَه "أزهار بريّة"، وقد تميّز شعره بتأثُّرِهِ ببيئته الريفية شأنه في هذا شن أغلب الشعراء الذين يعكسون بيئتهم التي خرجوا منها، وقد كثرتْ لفظة الراعي ومشتقاتها في ديوانه، وكانَ هذا انعكاسًا لصورة الرعاة الذين كان يستمتع بمشاهدتهم في صغرِهِ، قد قال فيهم شعرًا كثيرًا، ومنه: [٢]
نشيد الرعاة وصفصافةٌ وزهرُ الشِّعابِ وماءُ الغديرْ
وترنيمةُ الطير في أيكهِ وهمسُ الزروع ونشر العبيرْ
وقد أخذ غزلَهُ من رهافة طبيعة بلاده، فهو ابن الكرمل والطنطورة في فلسطين، حيث البحر والشاطئ والربيع وكلُّ مظاهر الطبيعة الرائقة، التي تدعو لتصفية الوجدان من كلِّ متاعب الحياة، ويظهر هذا في وقولِهِ:
من ديري النائي وراءَ الجرمقِ أقبلتُ نحو حنائك المتدفقِ
قد كنتِ مهبطَ فكرتِي في عزلتي والآن أنت على حشاي ومرفقي
هذا العناق فأين نظرات الرضا ما بال طرفك كالظلام المطرقِ
لا تنكريني أنتِ أمٌّ برَّةٌ لا تسلميني للشقا وترفقيالمراجع[+]
- ↑ نبذة عن الأديب إحسان عباس, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 29-09-2018، بتصرّف
- ↑ إحسان عباس, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 29-09-2018، بتصرّف