سؤال وجواب

شعر-الشاب-الظريف


الشعر في عهد المماليك

شهد الشعر بشكل خاصّ والأدب بشكل عام حركة أدبية مزدهرة في العصر المملوكي؛ فقد حرص السلاطين والملوك على تقريب الشعراء إلى بلاطِهم الملكي ظانِّينَ أنَّ هذا التقريب جالب للشرف والنُبل، فكان للشعر والنثر نصيبٌ كبير من حركة التقدّم الأدبي الذي شهدها العصر المملوكي، فقد كثرت المناظرات الأدبية النثرية والشعرية، وقد اشتهر شعراء كُثْرٌ في العصر المملوكي، لعلَّ أهمَّهم هو الشاب الظريف والجزار والمناوي والمصير، وهذا المقال سيسلّط الضوء على الشاعر المملوكي الشاب الظريف من جوانب عدّة.

نبذة عن الشاب الظريف

هو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، شاعر من شعراء العصر المملوكي، رقيق الطبع، جيّدُ الشعر، وُلِد في القاهرة عام 1263 م وعاش حياتَهُ في دمشق، ووالدهُ سليمان المُلقَّب بالعفيف التلمساني، كانَ أبوه شاعرًا صوفيًّا، من أهل العلم والأدب، وهذا ما جعل الشاب الظريف تلميذًا عند والدِهِ، وقد نشأ الشاعر في جوٍّ مشحون بالشعر والأدب في عائلة مهتمّة بهذا المجال، حتّى كانَ شاعرًا جيّدًا ومشهودًا له في شعره، ولكنَّ الموت لم يتركْ له فرصة المضيِّ في هذه الحياة، فقد تخطفه وهو في بداية حياتِهِ؛ حيث تُوفي عن عمر يناهز السابعة والعشرين في دمشق عام 1289م تاركًا وراءَه نتاجًا شعريًّا يعبر عن تجربته الشعرية القصيرة في الحياة والأدب [١].

القصيدة عند الشاب الظريف

لقد ظهر تأثر الشاب الظريف بالصوفية واضحًا وجليًّا في كثير من شعرِهِ، وقد انعكست طباعه الرقيقة على شعرِهِ، وبالحديث عن القصيدة الشعرية عنده، جدير بالذكر أنَّه اعتنى بالأغراض الشعرية المعروفة كالغزل والمديح والرثاء وغير ذلك، وقد اشتهرت له قصيدة في مدح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، والتي يقول فيها:

وقالوا غـدا نأتي ديار محمَّدٍ               فقلتُ لهـم: هـذا الذي عنه أفحصُ

أنيخـوا فما بالُ الركوب وإنَّها              على الرَّأس تمشي أو على العين تشخصُ

نبيٌّ له آياتُ صـدق تبيَّنتْ                 فكـلُّ حـَسُـودٍ عنـدها يتنـغَّـصُ

نـبـيٌّ بأملاك السماء مـؤيَّدٌ                وبالمعجـزات البينات مخـصـَّصٌ

ومالـي مـن وجـهٍ ولا من وسيلةٍ         سوى أنَّ قلبي في المحبة مُخلصُ

إذا صحَّ منك القربُ يا خيرَ مُرسَلٍ         فعنْ أيِّ شـيءٍ بعـد ذلكَ أحـرِصُ

وقد اشتهر له أيضًا شعرًا غزليًّا رقيقًا، تميّزت فيه اللمحة الصوفية الرقيقة التي تشي بها المصطلحات الصوفية التي تتكرر عند الصوفيين بشكل عام، وخلاصة القول إنَّ الشاب الظريف كانَ شاعرًا مجيدًا لم يمنحْهُ الموت فرصةً ليثبتَ نفسه بين الفحول الكبار في تاريخ الشعر العربي.

مختارات من شعر الشاب الظريف

بعد ما وردَ من حديث عن الشاب الظريف وحياتهِ ونشأتِهِ والقصيدة عنده، لا بدّ من المرور على بعض قصائده الشعرية.

  • يقول الشاب الظريف في أشهر قصائده: [٢].

لا تُخْفِ ما صَنَعَتْ بِكَ الأَشْواقُ                    واشْرَحْ هَوَاكَ فَكُلُّنا عُشَّاقُ

قد كانَ يخفِى الحُبّ لولا دمـعكَ الــ              ـجَارِي وَلَولا قَلْبُكَ الخَفَّاقُ

فعَسَى يُعينُكَ مَنْ شَكَوْتَ لَهُ الهَوَى             في حَمْلِهِ فالعَاشِقُون رِفَاقُ

لا تجزَعَنَّ فَلَسْتَ أَوّلَ مُغْرَمٍ                        فَتَكَتْ بِهِ الوَجْنَاتُ والأَحْدَاقُ

واصبر على هجرِ الحَبيبِ فَرُبَّما                    عَادَ الوِصالُ وللهوى أخلاقُ

كم ليلةٍ أسهرتُ أحداقي بِهَا                      مُلقىً وللأفْكَارِ بي إحدَاقُ

يا رَبّ قَد بَعُدَ الذين أُحِبُّهُمْ                         عَنِّي وَقَدْ ألِفَ الرّفاقَ فِراقُ

واسْودَّ حظَّي عندهُم لَمَّا سَرى                  فِيهِ بِنَارِ صَبَابَتِي إحْرَاقُ

عربٌ رأيتُ أصَحَّ ميثاقٍ لهم                        ألَّا يصِحَّ لديهمُ ميثاقُ

وَعَلى النّياقِ وفي الأكلَّةٍ مَعْرِضٌ                 فِيهِ نِفارٌ دائمٌ وَنِفاقُ

مَا نَاءَ إلّا حَارَبَتْ أردافُهُ                             خَصْراً عَلَيْهِ مِنَ العُيونِ نِطَاقُ

تَرْنُو العُيُونُ إليهِ في إطْرَاقِهِ                        فإذَا رَنَا فَلِكُلّها إطْرَاقُ

  • ويقول أيضًا:

يَا رَاقِدَ الطَرْفِ ما لِلطَّرْفِ إغفاءُ                      حَدّثْ بِذاكَ فما في الحُبِّ إخْفاءُ

إنّ اللّيالي والأيامَ مِنْ غَزَلي                        في الحسنِ والحُبّ أبناءٌ وأنباءُ

إذْ كلّ نافرةٍ في الحُبّ آنِسةٌ                        وَكُلّ مَائِسَةٍ في الحَيِّ خَضْرَاءُ

وصفوة الدَّهر بحرٌ والصّبا سفنٌ                     وللخلاعةِ إرساءٌ وإسراءُ

يا ساكِني مِصْر شَمْلُ الشّوْقِ مُجْتَمِعٌ            بعدَ الفراقِ وشولُ الوصلِ أجزاءُ

كأنّ عَصْرَ الصِّبَا مِنْ بَعْدِ فُرْقَتِكُمْ                      عصرُ التصابي به للهو إِبطاءُ

نارَ الهَوَى لَيْس يَخْشَى مِنْكِ قُلْبُ فَتًى            يكون فيه لإبراهيم أرجاءُ

نَدْبٌ يَرَى جُودَهُ الرّاجي مُشافَهَةً                    والجُودُ مِنْ غَيْرِهِ رَمْزٌ وإيماءُ

ذُو هِمَّةٍ لو غَدتْ للأُفْقِ ما رَحَلَتْ                    له ثريا ولا جَازتهُ جوزاءُ

لَوْلاَ أخُوكَ ولا أَلْفَى مَكَارِمَهُ                           لَمْ تَحْو غَيْرَ الذي تَحْوِيهِ بَطْحَاءُ

لَكِنْ تَعَوَّضْتُ عَنْ سُحْبٍ بِمُشْبِهِهِ                   إذْ سُحْبُ هذا وهَذا فِيهِما المَاءُ

المراجع[+]

  1. محمد التلمساني, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 07-11-2018، بتصرُّف
  2. الشاب الظريف, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 07-11-2018، بتصرُّف