سؤال وجواب

قصة-سد-مأرب


سبأ

تعدُّ سبأ مملكة يمنيّة قديمة عظيمة، قامت حوالي 1000 قبل الميلاد، وقد اختلف المؤرّخون في تحديد وقت قيامِها بشكل دقيق، وتعدّ سبأ أعظم مملكة مرّت في تاريخ اليمن، فاسم اليمن وتاريخه يرتبطان دائمًا باسم مملكة سبأ، فقد ضمّت سبأ كلًّا من مملكة حضرموت ومعين وقتيان، وضمّت سياسيًّا كلَّ القبائل العربية التي كانت تابعة لهذه الممالك، كما أنَّ سبأ استطاعت تأسيس مستعمرات تابعة لها من خلال حلفائها من القبائل في فلسطين والعراق، وقد شهدت هذه المملكة تطوّرًا معماريًّا ضخمًا حتّى نُسب إليها سد مأرب الذي عُدَّ معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية، وهذا المقال مخصص للحديث عن قصة سد مأرب بالتفصيل.

قصة سد مأرب

ارتبط ذكر سد مأرب في التاريخ بقصة شهيرة، قامت أحداث هذه القصة في اليمن في مملكة سبأ، حيث عاش هنالك رجل يُسمّى على اسم المملكة "سبأ"، وهو سيد قومه، يتبع لحكمه كثير من القبائل في تلك الفترة، وهو صاحب مال وبلاده غنية بالماء والكلأ، حيث أن الماء عند تلك الأمة كان يمشي بين جبلين عظيمين، فما كان من سيد أولئك القوم إلّا أن أمرهم ببناء سدٍّ عظيم بين الجبلين يحبس الماء خلفَه، وهذا ما حصل، حتّى ارتفع الماء إلى أعلى الجبل محسورًا بالسد العظيم الذي تم بناؤه، وسمّي السد سد مأرب وقد توفَّرت المياه وعرّشت الأغصان وتكاتفتِ البساتين عند ذلك السد، وعاش أهل تلك المملكة برخاء وراحةً.

وقد وردَ ذكرهم في كتاب الله تعالى، حيث قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" [١]، ولكنّهم بعد أن كانوا على طريق الاستقامة والصلاح، حادوا عن عبادة الله تعالى، وبطروا نعمته، فسلبهم الله النعمة التي كانوا فيها، قال تعالى: "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ" [٢]، فقد أرسلَ الله تعالى إلى ذلك السد جرذًا صغيرًا وهو حيوان يُطلق عليه اسم حيوان الخُلد أيضًا، وهو حيوان صغير حفر في أساسات السد وقواعده الأساسية التي قام عليها، وقد حاول أهل سبأ أن يمنعوا الجرذان عن السدّ ولكنهم فشلوا، فهذا أمر الله الذي لا مردّ له، فقد حفرت تلك الجرذان في أصل السد حتّى تسرّب الماء في السد وضعفت قوة السد فانهار سد مأرب وسقط، وتحوّلت النعمة التي عاشوا فيها إلى عذاب ونقمة، وهذا لأنهم كفروا بنعمة الله الذي قال في كتابِهِ: "وأمّا بنعمة ربك فحدّث" [٣].

وقال تعالى في سورة سبأ: "فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" [٤]، فلمّا هلكت بساتينهم وأموالهم، وخربت بلادهم ارتحلوا من تلك البلاد ونزلوا في الحجاز ونزل قوم منهم في بلاد الشام وتنصّروا هناك، فتفرّق شملهم في المدائن بعد أن كانوا في عيش رغيد، وهذه سنّة الله تعالى في الأمم الجاحدة بنعمته سبحانه وتعالى [٥].

مضامين قصة سد مأرب

يمكن تحديد مضامين قصة سد مأرب من خلاصة القصة ومن العبرة منها، وقد حملتْ هذه القصة عبر كثيرة ومواعظ وحكمة، ومن أهم ما حملت هو:

  • أكّدَتِ القصة على ضرورة شكر الله تعالى عند النعم، لأن سنة الله تعالى في العباد تقول: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" [٦]، وهذه هي القاعدة العامة في حياة العباد، فمن شكر الله تعالى زادَهُ من فضله، ومن كفر بنعمة الله تعالى قابَلَهُ الله بالعذاب الأليم، وهذا ما حدث مع أهل سبأ تمامًا، الذين جحدوا نعمة الله وفضله فأرسل إليهم الجرذان والسيل حتّى دمّر سد مأرب بقوّتِهِ وقدرتِهِ -سبحانه وتعالى-.
  • وقد بيّنت القصة قدرة الله تعالى وعظمته، وهذا يتضّح من خلال النظر إلى عظمة سد مأرب الذي عدّه المؤرخون معجزة تاريخية عظيمة، ولكنَّ الله أعظم وأعلى، فقد بعث جرذًا صغيرًا يكاد لا يبلغ حجم لبنة واحدة من لبنات السد العظيم، فدمّرَه تدميرًا، وهذا من عظيم قوّته عزّ وجلّ.
  • وتتضمّن هذه القصة عبرة عظيمة لكلِّ الناس عبر العصور، وهذا ما اشتهر به القرآن الكريم، وهو سرد القصص للأقوام القدماء حكمةً وموعظةً من الله تعالى للناس أجمعين، قال تعالى: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" [٧][٨].

معلومات عن سد مأرب

إنَّ سد مأرب هو سدٌّ مائي قديم، يقع في اليمن في مأرب تحديدًا، وهو سدٌّ من أعظم السدود في تاريخ شبه الجزيرة العربية، حتّى اعتبره المؤرِّخون معجزة معمارية في تاريخ شبه الجزيرة العربية، وهو واحد من أقدم السدود في العالم، حيث يرجع بناؤه إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وبُني السد من حجارة اقتطعها السبئيون من صخور الجبال، وكان السدّ يحبس ماءً كثيرًا يكفي لريِّ ما يقارب مساحة 98000 كم مربع من الأرض، وهو من أقدم السدود اليمنية في التاريخ، ولكنّه ليس السد الوحيد، فقد بنى اليمنيون القدامى سدَّ الخانق وأضرعة ومرخة وغيرهم من السدود، وقد تعرّض السد في تاريخه إلى كثير من عمليات الانهيار ولكنَّ الاضطرابات السياسية في اليمن وتدخل الفرس فيها فيما بعد أدى إلى إهمال السد وعدم ترميمه، ومن عمليات انهيارِهِ في التاريخ هي قصة سبأ التي تم ذكرها. وأمّا وضع السد الحالي، فقد أعلن رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1986م عن تبرعه بمبلغ مالي ضخم لإعادة بنا سد مأرب وتوسيعه حتى أصبح السدُّ يكفي لريِّ 16000 هكتار من الأراضي الزراعية [٩].

المراجع[+]

  1. {سبأ: الآية 15}
  2. {سبأ: الآية 16}
  3. {الضحى: الآية 11}
  4. {سبأ: الآية 19}
  5. قصة سبأ, ، "www.kalemtayeb.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 11-11-2018، بتصرّف
  6. {إبراهيم: الآية 7}
  7. {يوسف: الآية 3}
  8. قصة سبأ آيات وعِبر, ، "www.alukah.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 11-11-2018، بتصرّف
  9. سد مأرب, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 11-11-2018، بتصرّف