سؤال وجواب

نبذة-عن-مسلم-بن-الوليد


الأدب في العصر العباسي

بدأ اهتمام الخلفاء العباسيين بالنهضة الأدبية باكرًا متزامنًا مع تأسيس دولتهم في حاضرتها بغداد، إذ يُعتبر العصر العباسي من أزهى العصور العربية والإسلامية حضارةً وثقافةً ومعرفةً وعلمًا خاصةً فيما يرتبط بالأدب واللغة والشعر نظمًا وتأليفًا وترجمةً وكتابةً رفدوا المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات الباقية إلى اليوم وتُرجمت بعضها إلى لغاتٍ أخرى، وازدهر الأدب في تلك الفترة بسبب تقريب الخلفاء للأدباء وإغداق العطايا عليهم إلى جانب الاستقرار السياسي خاصةً في فترة قوة الدولة وكثرة الاختلاط بين الأدباء من مختلف مشاربهم، ومن أبرز نوابغ تلك الفترة مسلم بن الوليد.

نبذة عن مسلم بن الوليد

مسلم بن الوليد الأنصاري وكنيته أبو الوليد فارسي الأصل وُلد سنة 757م في الكوفة وهو من موالي الخزرج لذلك أُطلق عليه تجاوزًا لقب الأنصاري، وهو واحدٌ من أبرز شعراء العصر العباسي إذ دفق الشِّعر على لسانه وهو في مقتبل العمر واعتُبر واحدًا من الشعراء الفلقين -والفلق من الشعراء هو الذي يأتي في شعره بغرائب الألفاظ والتراكيب اللغوية والمحسنات البديعية-، وفي بادئ الأمر لم يأبه لقرع باب الأمراء والخلفاء راضيًا بقليل العطاء الذي يناله من نظم الشّعر ثم بدأ في مدح الأمراء وعلى رأسهم يزيد بن مزيد الشيباني قائد الخليفة هارون الرشيد ثم امتدح الخليفة نفسه وعددًا من أمراء البرامكة الذين قربوه منهم وأوكلوا إليه أمر جرجان وأصبهان، وقد لقبه الخليفة هارون الرشيد بصريع الغواني لبيت شعرٍ قال فيه: هلِ العيشَ إلا أنْ تروحَ مع الصبا       وتغدو صريعَ الكأسِ والأعينِ النجلِ

وسُئل عن سبب تلقيبه بصريع الغواني فأنشد: إن وردَ الخدودِ والأعين النجلِ           وما في الثغورِ منْ أقحوانِ واسودادِ الصِّدغيْنِ في أَوضحِ الـ     خدِّ وخَافي الصدورِ من رُمانِ ترَكتني لدى الغَواني صَريعًا           فلِهذا أُدعى صريعَ الغَواني وقد كثُر في شِعره ذِكر الغواني وأوصافهنّ وأنه صريعهنّ فاستحق اللقب بجدارةٍ. [١][٢]

مذهب مسلم بن الوليد في الشعر

كان مسلم بن الوليد من الشعراء المثقفين حيث تعهد نفسه بالتعليم والتثقيف إذ أتقن اللغة العربية السليمة من منبعها كما اتطلع على الآداب المترجمة من اللغات الأخرى وتمخض عن ذلك أسلوبه الفريد في الشِّعر الذي امتاز بالمزج الشعري الفريد ما بين شعر البادية وشعر الحاضرة مما دلل على سعة إطلاعه على أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، فقد تمسك بعمود الشعر وتفنن في اختيار الألفاظ وتكلَّف فيها أحيانًا، كما أولى الاهتمام بالمعنى الشعري عنايةً كبيرةً مُتبعًا أسلوب فحول الشعراء، وجعل المدح أساسًا في أشعاره يتكسب من خلاله بسبب إبداعه في ابتكار المحسنات والصور البديعية وكان يفتتح تلك المدائح بأبياتٍ خمريةٍ في منافسةٍ لأبي نواس، كما اشتملت أشعاره على أبيات أو قصائد دالة على إقباله على اللهو والطرب والسهر دون الانغماس في تلك الحياة أو المجاهرة بارتكاب المعاصي والآثام في أشعاره، اتسم شعر مسلم بن الوليد بالمتانة والقوة البناء اللفظي والحكبة الفريدة والعبارات الآسرة. [١]

قصائد مسلم بن الوليد

ترك الشاعر مسلم بن الوليد عددًا كبيرًا من الأبيات الشِّعرية في ديوانه قرابة ستة آلاف بيتٍ خصّ جزءٌ كبيرٌ منها لمدح الأمراء والخلفاء والبرامكة وأصحاب النفوذ ومن تلك القصائد قصيدته التي نظمها في مدح زيد بن مسلم الحنفي والتي مطلعها: [٣][١] أَأُعلِنُ ما بي أَم أُسِرُّ فَأَكتُمُ       وَكَيفَ وَفي وَجهي مِنَ الحُبِّ مَعلَمُ

ومن مديحها:

فَمَن لامَني في اللَهوِ أَو لامَ في النَدى         أَبا حَسَنٍ زَيدَ النَدى فَهوَ أَلوَمُ لَعَمري لَقَد بَذَّ الكِرامُ فَما لَهُ          نَظيرٌ إِذا عُدَّ الأَكارِمُ يُعلَمُ لَئِن أَحرَزَ العَلياءَ زَيدٌ فَقَبلَهُ            حَواها أَبو زَيدٍ أَخو الجودِ مُسلِمُ وَما الناسُ إِلّا اِثنانِ فيهِ فَراغِبٌ       إِلَيهِ وَمَجهودُ الصَنيعَةِ مُرغَمُ أَطَلَّت عَلى أَعدائِهِ وَعُفاتِهِ           مَخايِلُ وَدقٍ صَوبُها الماءُ وَالدَمُ فَتىً لا تَرى كَفّاهُ لِلمالِ حُرمَةً       إِذا لَم يَكُن في كُلِّ يَومٍ يُقَسَّمُ إِذا حَلَّ أَرضاً حَلَّها البائسُ وَالنَدى           فَأَيسَرَ ذو عِسرٍ وَعَزَّ مُهَضَّمُ وَلَم تَرَ قَوماً حارَبوهُ فَأَدرَكوا           نَجاةً وَلا قَوماً رَجَوهُ فَأَعدَموا وَما مَرَّ يَومٌ قَطُّ إِلّا جَرَت بِهِ           عَلى الناسِ مِن كَفَّيهِ بُؤسى وَأَنعُمُ

وقال في قصيدته طرق الخيال فهاج لي بلبالا مادحًا زيد بن مسلم أيضًا:

وَلَو أَنَّ في كِبدِ السَماءِ فَضيلَةً         لَسَما لَها زَيدُ الجَوادُ فَنالا باقٍ عَلى حَدَثِ الزَمانِ كَأَنَّهُ            ذو رَونَقٍ عَضبٌ أَجيدَ صِقالا تَلقاهُ في الحَربِ العَوانِ مُشَمِّرًا       كَاللَيثِ يَجمَعُ حَولَهُ أَشبالا حَزِنَت بِلادُ الفُرسِ ثُمَّتَ أَعوَلَت       شَوقًا إِلَيهِ بَعدَهُ إِعوالا وَتَرَحَّلَت مَعَهُ المَكارِمُ كُلُّها             لَمّا أَجَدَّ فَأَزمَعَ التَرحالا يا زَيدَ آلِ يَزيدَ ذِكرُكَ سُؤدَدٌ            باقٍ وَقُربُكَ يَطرُدُ الأَمحالا ما مِن فَتىً إِلّا وَأَنتَ تَطولُهُ           شَرَفًا وَإِن عَزَّ الرِجالُ فَطالا فَحاتُ كَفِّكَ يا ذُؤابَةَ وائِلٍ              تَرَكَت عَلَيكَ الراغِبينَ عِيالا

وقال مادحًا يزيد بن مزيد الشيباني في قصيدته ومطلعها: أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ        وَشَمَّرَت هِمَمُ العُذّالِ في العَذَلِ هاجَ البُكاءُ عَلى العَينِ الطَموحِ هَوَىً       مُفَرَّقٌ بَينَ تَوديعٍ وَمُحتَمَلِ كَيفَ السُلُوُّ لِقَلبٍ راحَ مُختَبَلًا        يَهذي بِصاحِبِ قَلبٍ غَيرَ مُختَبَلِ

ومن مديحها: لَولا يَزيدُ لَأَضحى المُلكُ مُطَّرَحًا          أَو مائِلَ السَمكِ أَو مُستَرخيَ الطِوَلِ سَلَّ الخَليفَةُ سَيفاً مِن بَنى مَطَرٍ       أَقامَ قائِمُهُ مَن كانَ ذا مَيَلِ كَم صائِلٍ في ذَرا تَمهيدِ مَملَكَةٍ         لَولا يَزيدُ بَني شَيبانَ لَم يَصُلِ نابُ الإِمامِ الَّذي يَفتَرُّ عَنهُ إِذا           ما اِفتَرَت الحَربُ عَن أَنيابِها العُصُلِ

وله أبياتٌ في الهجاء قيل عنها أنها من أهجى الأبيات الشعرية التي تفوه بها الشعراء المحدثين:  أَمّا الهِجاءُ فَدَقَّ عرِضُكَ دونَهُ   وَالمَدحُ عَنكَ كَما عَلِمتَ جَليلُ

وقوله في الحب: خَليلَيَّ لَستُ أَرى الحُبَّ عارا   فَلا تَعذُلاني خَلَعتُ العِذارا وَكَيفَ تَصَبُّرُ مَن قَلبُهُ   يَكادُ مِنَ الحُبِّ أَن يُستَطارا قَد تَرَكَ الوَجدُ نَفسي بِها   تَموتُ مِراراً وَتَحيا مِرارا كِلانا مُحِبٌّ وَلَكِنَّني   عَلى الهَجرِ مِنها أَقَلُّ اِصطِبارا

وقوله في الغزل: إذا التقينـا مَنَعْنا النـــومَ أعينَنا       ولا نلائم غمضاً حين نفترقُ أُقرُّ بالذَّنْب منيِّ لستُ أعرفُه       كيما أقولُ كما قالت فنتّفِقُ

حَبَسْتُ دمعي على ذنبٍ تجدِّده        فكلَّ يومٍ دموعُ العين تسْتبقُّ 

المراجع[+]

  1. ^ أ ب ت مسلم بن الوليد،,  "www.marefa.org"، اطُّلع عليه بتاريخ 20-12-2018، بتصرف
  2. المذاكرة في ألقاب الشعراء،,  "shamela.ws"، اطُّلع عليه بتاريخ 20-12-2018، بتصرف
  3. قصائد صريع الغواني،,  "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 20-12-2018، بتصرف