تلخيص-كتاب-البخلاء
من هو الجاحظ
الأديب الشهير بالجاحظ هو عمرو بن بحر الكناني المُكنَّى بأبي عثمان، من كبار الأدباء في العصر العباسي، ولد في البصرة عام 159هـ في خلافة المهدي وعاصر فترة ازدهار الثقافة العربية الإسلامية، لُقِّب بالجاحظ لجحوظٍ واضحٍ في عينيه، كان في صباه يبيع السمك والخبز ثمَّ صار يأخذ العلم من روَّاده في ذلك الزمان، فأخذ اللغة العربية عن الأصمعي والنحو عن الأخفش وعلم الكلام عن إبراهيم بن سيار، وصار يستأجر الدكاكين من الوراقين ويقرأ ما فيها من الكتب المؤلفة والمترجمة، فجمع بين الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية، توفي عام 255هـ عن عمر 96 عام قضاها في العلم والقراءة والكتابة، وهذا المقال سيتحدث عن كتاب البخلاء وبعض مؤلفات الجاحظ.
نوادر الجاحظ
على الرغم مما تميَّز به أبو عثمان الجاحظ من سدادٍ في الرأي ونهمٍ لطلب العلم والقراءة وشغف للحقيقة وفكرٍ ثاقبٍ خلَّاق إلا أنَّه امتاز أيضًا بالكثير من روح الدعابة والمرح والفكاهة، وذلك ظهر في الكثير من كتاباته، فقد نقل الكثير من النوادر التي تحكي قصص هزلية قصيرة والتي كانت في ظاهرها للهزل والضحك إلا أنَّها تحمل في داخلها نقدًا اجتماعيًّا يدعو إلى الإصلاح، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر بعض من نوادر الجاحظ التي يرويها عن نفسه وبعضها رآها أو سمعها من الناس الذين اختلط بهم:
- قصة الفارعة والمخادعة: ما أخجلني أحدٌ إلَّا امرأتانِ، رأيت إحداهما في العسكرِ، كانت طويلةَ القامة، وكنت على طعام، فأردت أن أمازحَها، فقلتُ لها: انزلي كُلي معنا. فقالت: اصعد أنتَ حتَّى ترى الدنيا. وأمَّا الأخرى المخادعة فإنَّها أتتْني وأنا على بابِ داري فقالت: لي إليكَ حاجة وأريدُ أن تمشي معي. فقمتُ معها إلى أن أتت بي إلى صائغٍ يهوديٍّ، وقالت له: مثل هذا، وانصرفَتْ. فسألتُ الصائغ عن قولها فقال: إنَّها أتت إليَّ بفصٍّ وأمرتني أن أنقشَ لها عليه صورةَ شيطان! فقلتُ لها: ما رأيتُ الشيطانَ، فأتَت بكَ وقالَت ما سمعْتَ.
- الحمَّال والقوارير: استأجرَ رجلٌ حمَّالًا يحمل له قفصًا فيه قوارير، على أن يعلِّمه ثلاثَ خصال ينتفعُ بها. فحملَ الحمَّال القفص. فلمَّا بلغَا ثلث الطريق قال: هاتِ الخصلة الأولى، فقال: من قال لكَ إنَّ الجوع خيرٌ من الشَّبع فلا تصدِّقه. فقال: نعم. فلمَّا بلغَا ثلثي الطريق قال: هاتِ الثانية، فقال: من قالَ لك انَّ المشي خيرٌ من الركوب فلا تصدِّقه. فقال: نعم. فلمَّا انتهى إلى باب الدار قال: هات الثالثة، فقال: من قالَ لك إنَّه وجد حمَّالًا أرخص منكَ فلا تصدِّقه. فرمَى الحمَّال القفصَ على الأرضِ وقال للرجلِ: من قال لكَ في هذا القفص قارورةٌ صحيحة فلا تصدِّقه.
- حدَّث ابن الذيَّال قال: حضرتُ وليمةً حضرَهَا الجاحظُ، وحضرَتْ صلاةُ العصر، وما صلَّى الجاحظ، فلمَّا عزمنَا على الانصرافِ، قالَ الجاحظُ لصاحب المنزلِ: إنِّي ما صلَّيتُ لمذهبِ الصلاة، أو لسببٍ أخبرك به. فقيلَ له: ما أظنُّ لكَ مذهبًا في الصَّلاة إلَّا تركُها.
- السندية اللثغاء: أتيتُ منزلَ صديقٍ لي، فطرقتُ الباب فخرجَت إليَّ جاريةٌ سنديَّة. فقلتُ لها: قولي لسيِّدك الجاحظُ بالباب!، فقالَت: أقولُ الجاحِد بالباب؟ على لغتِها!، فقلتُ: لا، قولي لهُ: الحَدَقيُّ بالباب!، فقالَت: أقولُ: الحَلَقي بالباب؟ فقلتُ: لا تقولي لهُ شيئًا، ورجعتُ.
- البيت اللحم: نزل الجاحظ على صديقٍ له، فلم يطعمُه لحمًا، فعرَّض له، فقالَ الصديق: إنِّي لا أكثرُ اللحم منذُ سمعتُ الحديثَ: "إنَّ اللهَ يكره البيت اللحم"، فقالَ الجاحظ: يا أخِي، إنَّما أراد البيتَ الذي تؤكلُ فيه لحومُ النَّاس بالغيبةِ. فلم يؤخِّر حضورَ اللحم منذ ذلك اليوم.
- النسيان: قال الجاحظ: نسيتُ كنيتي ثلاثة أيام، فسألتُ أهلي: بماذا أكنَّى؟، فقالوا لي: أبو عثمان!. [١]
تلخيص كتاب البخلاء
يمكنُ اعتبار كتاب البخلاء للأديب الموسوعي الكبير أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ بأنَّه من أشهر كتب الأدب الساخر، وهو من أثمن الكتب في هذا المجال ظهرت فيه روح الفكاهة التي تطربُ الأرواح وتهزُّ النُّفوس، كما ظهر في كتاب البخلاء أسلوب الجاحظ الذي يفيضُ بالبيان المتماسك الرصين وبقدرته على صياغة النوادر والقصص القصيرة الهزلية، حيثُ تميزت كتاباته بوضوح البيان ودقَّة التعبير وبراعة الوصف، وهو الكتاب الوحيد الذي وصف الحياة الاجتماعية في صدر العصر العباسي بهذا الوصف الذي كشف أسرار الحياة في تلك المرحلة.
يتناول الجاحظ في كتاب البخلاء أحاديث وقصص البخلاء الذين قابلهم وتعرَّف عليهم ضمن ظروف بيئته الخاصة وخاصَّة من أهل مدينة مرو في خراسان. فقام بتصورير البخلاء بواسطة أسلوبه الفني الأدبي المتميِّز تصويرًا حسيًّا ملامسًا للواقعِ بطريقة فكاهية جميلة، فوصف في كتاب البخلاء تصرفات أولئك البخلاء وحركاتهم وسكناتهم والنظرات التي يعتريها القلق أو تلك التي تنعم بالطمأنينة، وجسَّد النزوات النفسية التي تنتابهم، كما فضح أسرار البخلاء والخفايا التي تدور في بيوتهم والأحاديث التي تدور فيما بينهم، ومن براعة الجاحظ في كتاب البخلاء أنَّه لا يترك في نفوس القراء آثارًا سيئةً حول البخلاء ولا يحمل القراء على كراهية هذا الصنف من المجتمع.
لذلك فإن كتاب البخلاء يحملُ في طيَّاته قصص يرويها الجاحظ كنوادر تصوِّرُ مواقفَ هزليَّة بطريقة تدفعُ إلى التربية ونقد الواقع الاجماعي، ويعتبرُ كتاب البخلاء أيضًا دراسةً اجتماعيةً نفسيَّة اقتصادية تربويةً، وله أهميَّة علمية كبيرة كمرجع علمي لأنَّه يكشفُ عن طبائع وسلوك ونفوس البشر، بالإضافة إلى أنَه يحتوي على كثير من أسماء المشاهير والأعلام وأسماء المدن والبلدان وصفات أهل تلك البلاد، ويحتوي على كثير من الشعر والآثار والأحاديث وغيرها، لذلك يمكن أن يعرَّف كتاب البخلاء باختصار أنَّه موسوعة اجتماعية أدبية علمية جغرافية تاريخية تصور تلك الأمور في صدر العصر العباسي. [٢]
مؤلفات الجاحظ
عاش الجاحظ ما يقارب 96 عامًا قضاها في قراءة الكتب والاطلاع على ثقافات الأمم الأخرى فجمع بين الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية، فكان موسوعة بحدِّ ذاته، وقد أدَّى ذلك إلى أنَّه كتب الكثير من الكتب والمؤلفات في شتى المواضيع في الأدب والتاريخ والسياسة وعلم الكلام والأخلاق والحيوان والنبات والصناعة وغير ذلك، رغم أنَّ أشهر الكتب التي تركها هي: كتاب البخلاء، كتاب البيان والتبيين، كتاب الحيوان. وسيتمُّ إداراج أهمِّ المؤلفات التي تركها الجاحظ خلفه خلال مسيرته العلمية الطويلة: [٣]
- كتاب البخلاء: كتاب في الأدب الساخر يتحدث فيه عن أخبار وقصص البخلاء خاصّة أهل مدينة مرو، كما يصف الحياة الاجتماعية في صدر العصر العباسي.
- كتب البيان والتبيين: كتبه في أربعة أجزاء، وهو كتاب أدبي من أعظم كتب الجاحظ.
- كتاب الحيوان: كتبه في ثمانية أجزاء، وهو من أكبر كتب الجاحظ حجمًا، جمع فيه أخبار الحيوانات وطبائعها وخصالها.
- المحاسن والأضداد: يتحدَث فيه عن محاسن الأشياء ومساوئها.
- التاج في أخلاق الملوك: يتحدث فيه عن طريقة التعامل مع الملوك، وما يجب على الرعية مع الملوك من حسن الأدب، متضمنًا الكثير من الأحاديث والطرائف والقصص المستمدة من التارخي العربي وأحيانًا الفارسي وغير ذلك.
- البرصان والعرجان: كتاب من مؤلفات الجاحظ تناول فيه إظهار وإشهار أعلام في الأدب العربي من أصحاب الإعاقات والعاهات وذوي الاحتياجات الخاصة، فالكتاب قيِّم وأهادفه سامية لهذه الغاية.
- التبصرة في التجارة: جمع فيه الكاتب ما يمكنُ أن يستظرفه الناس من البلدان والجواهر الثمينة والأمتعة القيمة وغيرها.
- الآمل والمأمول.
- البغال: كتب هذا الكتاب عن البغال وصفاتها وطبائعها وكان يريد أن يضمَّه إلى كتاب الحيوان لكنَّ عدة أمور منعت حدوث ذلك.
- كتاب خلق القرآن: جمع الجاحظ في هذا الكتاب حوارات المؤرخين والفقهاء من مختلف المذاهب والملل حول تاريخ القرآن الكريم وجمعه وكتابته وتنقيطه وغير ذلك.
- فضل السودان على البيضان: جمع فيه الجاحظ الكثير من الأقوال في فخر السود على البيض مستدلًّا بأحاديث نبوية وأشعار كثيرة، وأورد فيه الكثير من الطرائف العربية.