حكم-عن-الصداقة
الصداقة
الصداقة في اللغة مشتقة من الصدق، ومعناها بحسب المعاجم صدق المودة بين شخصين، فهي إذًا علاقة قائمة على الصدق في كلّ أمورها وليس للكذب سبيل إليها،[١] والصداقة من الامور المهمة في حياة الفرد؛ إذ لا بدّ لكلّ إنسان من شريك في حياته يقاسمه الهموم واللحظات السعيدة، ويبثّه أشجانه ويحتاج لتوجيهاته بين حين وآخر، وغالبًا ما تكون الصداقات عمليات متبادلة بين الطرفين أو الاطراف، وعادة ما يكون لأحد الأصدقاء تأثير على الآخر من خلال التحكّم في قراراتهم أحيانًا، وأحيانًا أخرى في طريقة تعامله وسلوكه مع المجتمع المحيط، وهذا المقال سيقف مع حكم عن الصاقة قيلت فيما مضى.[٢]
حكم عن الصداقة
قبل الوقوف مع حكم عن الصداقة ينبغي التفريق بين مفهومين قد يتداخلان أحيانًا بسبب الصفات التي تكون مشتركة بينهما وهما الصداقة والحب، فصحيح أنّ الصداقة تشترك مع الحبّ بعدّة خصال؛ كالثقة والاحترام المُتبادَلَين وحسن الظنّ بالآخر دائمًا ونفي السوء عنه، وكذلك المساعدة المتبادلة عند الحاجة أو الوقوع في المشكلات والإفصاح المتبادل بينهما عن المشاعر والأسرار وغير ذلك، وكذلك ممّا يجعل الصداقة تتشابه مع الحب هي أنّهما يتقاطعان في مسألة الاستمتاع بالرفقة بين الصديقين أو الأصدقاء، ولكنّ للحبّ علامات ينفرد بها عن الصداقة كالرغبة الجنسية بين الشريكين والافتتان المتبادل وكذلك الميل إلى شخص ما بعينه ومحاولة إثارة اهتمامه، وأيضًا مما يمتاز به الحب هو الاهتمام المبالغ فيه بشخص ما، والاستعداد للتضحية ولو كانت بالنفس من أجل المحبوب، وهذه كلّها تجعل للصداقة طابعها الخاص وللحب كذلك طابعه الخاص، وينبغي القول ختامًا إنّ الصداقات المتينة دليل على صحّة المجتمع وقوّته، والمجتمعات المفكّكة هي التي لا يجد فيها المرء علاقة صداقات متينة كمجتمع الولايات المتحدة الذي أكّدت دراسة أُجريت عام 2006م أنّ نسبة 25% من الأمريكيّين ليس لديهم أصدقاء مقرّبون يثقون بهم،[٢] وفيما يأتي حكم عن الصداقة:[٣]
- "اختر صديقك فإنه يكتب معك حاضرك ومستقبلك"؛ سلمان العودة.
- "واعلم أنّ أرفع منازل الصداقة منزلتان: الصبر على الصديق حين يغلبه طبعه فيسيء إليك، ثمّ صبرك على هذا الصبر حين تغالبُ طبعكَ لكيلا تسيء إليه.. وأنتَ لا تصادق من الملائكة؛ فاعرف للطّبيعة الإنسانيّة مكانها فإنّها مبنيّةٌ على ما تكرَه، كما هي مبنيّةٌ على ما تُحِب؛ فإن تجاوزتَ لها عن بعضِ ما لا ترضاه ضاعفَت لكَ ما ترضاهُ فوق زيادتِها بنقصِها، وسَلِمَ رأسُ مالِكَ الذي تُعامِلُ الصّديق عليه"؛ مصطفى صادق الرافعي.
- "الصديق هو الذي إذا حضرَ رأيتَ كيفَ تظهرُ لكَ نفسكَ لتتأمّل فيها، وإذا غاب أحسست أنّ جزءًا منكَ ليس فيك؛ فسائركَ يحنّ إليه.. فإذا أصبح من ماضيك بعد أن كان من حاضرك، وإذا تحول عنك ليصلك بغير المحدود كما وصلك بالمحدود، وإذا مات.. يومئذٍ لا تقول إنّه مات لك ميت، بل مات فيك ميت.. ذلك هو الصّديق"؛ مصطفى صادق الرافعي.
- "إنّ أشقى الناس من لا يستطيع أن يجد إلى جنبه في سَورةِ الجَزَعِ نفسًا أُخرى تجزع له باطمئنان؛ ليطمئنّ في جزعه، وهي الصداقة بعينها، ولا يُلقّاها إلّا ذو حظٍّ عظيم"؛ مصطفى صادق الرافعي.
- "معنى الصداقة ھو أنّني -تلقائیًّا- أراكَ جديرًا بأن ائتمنك على جزءٍ من كرامتي"؛ أحمد خالد توفيق.
- "قصص الصداقة القوية، كقصص الحب العنيفة، كثيرًا ما تبدأ بالمواجهة والاستفزاز واختبار القوى"؛ أحلام مستغانمي.
- "الصداقة.. إنّها الوجه الآخر غير البرّاق للحب، ولكنّه الوجه الذي لا يصدأ ابدًا"؛ توفيق الحكيم.
- "الصداق دائمًا أقوى من الحب؛ ولهذا شوارع الصداقة متقاطعة ومتعانقة، أمّا شوارع الحب فحيثما تتقاطع هناك شارات اتجاه ممنوع"؛ فضيلة الفاروق.
- "الصداقة مسؤولية لذيذةٌ أبدًا.. وليست الصداقة فرصة للنفعيين"؛ جبران خليل جبران.
- "الصداقة مثل الحب، وجوهر الصداقة يقوم على الصراحة والعاطفة والصدق.. من المريح أن ترى وجه صديقك أو تسمع صوته بالهاتف وتتحدث معه حول أمورٍ مؤلمةٍ وملحّة، وتسمعه يعترف بما يخشى التفكير به.. إن للصداقة لمسة من الحسيّة؛ فشكل الصّديق ووجهه وعيناه وشفتاه وصوته وحركاته ونبرة صوته: كلّ هذا محفورٌ فى ذهنكَ.. مفتاحٌ سرّيٌّ يمنحكَ الثقة لأن تبوح بنفسك فى صداقة حقيقية"؛ إنغمار برغمان.
- "ليس هناك أسوأ من الوصاية باسم الصداقة"؛ تشيخوف.
- "إنني أؤمن أنّ الصداقة تُعطي الحياة معنى أعمق"؛ غازي القصيبي.
- "الصداقة الحقيقية لابد أن تتضمّن قدرًا من الإعجاب المتبادل بين الصديقين، كلّ منهما بشخصيّة الآخر وقدراته؛ فإذا خلَت منه فإنّها لا تكون أبدًا صداقة حقيقية أو عميقة"؛ عبد الوهاب مطاوع.
- "الصداقة الكاملة هي التي تحتوي على قدْرٍ من هذه الخلافات الفاضلة الحافزة المنبهة المنشطة"؛ مصطفى محمود.
شعر عن الصداقة
بعد الوقوف مع حكم عن الصداقة يقف المقال أخيرًا مع شعر عن الصداقة مختار من عيون أشعار العرب، فالصداقة تحظى عند العرب بكثير من الاهتمام والتقدير، ولذلك فقد نظموا فيها أشعارًا أكثر من أن تُحصى، ومنها ما اختاره المقال فيما يأتي:
- ما قاله الإمام الشافعي في الصداقة إذ قال:[٤]
المرء يُعرفُ فِي الأَنَامِ بِفِعْلِهِ
- وَخَصَائِلُ المَرْءِ الكَرِيم كَأَصْلِهِ
اصْبِر عَلَى حُلْوِ الزَّمَانِ وَمُرّه
- وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ
لا تَسْتَغِيب فَتُسْتَغابُ، وَرُبّمَا
- مَنْ قَال شَيْئًا، قِيْلَ فِيْه بِمِثْلِهِ
وَتَجَنَّبِ الفَحْشَاءَ لا تَنْطِقْ بِهَا
- مَا دُمْتَ فِي جِدّ الكَلامِ وَهَزْلِهِ
وَإِذَا الصَّدِيْقُ أَسَى عَلَيْكَ بِجَهْلِهِ
- فَاصْفَح لأَجْلِ الوُدِّ لَيْسَ لأَجْلِهِ
كَمْ عَالمٍ مُتَفَضِّلٍ، قَدْ سَبّهُ
- مَنْ لا يُسَاوِي غِرْزَةً فِي نَعْلِهِ
البَحْرُ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفُ الفَلا
- وَالدُّرّ مَطْمُوْرٌ بِأَسْفَلِ رَمْلِهِ
وَاعْجَبْ لِعُصْفُوْرٍ يُزَاحِمُ بَاشِقًا
- إلاّ لِطَيْشَتِهِ وَخِفّةِ عَقْلِهِ
إِيّاكَ تَجْنِي سُكَّرًا مِنْ حَنْظَلٍ
- فَالشَّيْءُ يَرْجِعُ بِالمَذَاقِ لأَصْلِهِ
فِي الجَوِّ مَكْتُوْبٌٌ عَلَى صُحُفِ الهَوَى
- مَنْ يَعْمَلِ المَعْرُوْفَ يُجْزَ بِمِثْلِهِ
- ويقول أيضًا في أخرى:[٥]
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفًا
- فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفي التَّرْكِ رَاحةٌ
- وفي القلبِ صبرٌ للحبيب ولو جفا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قلبهُ
- وَلا كلُّ مَنْ صَافَيْتَه لَكَ قَدْ صَفَا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً
- فلا خيرَ في ودٍ يجيءُ تكلُّفا
ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلهُ
- ويلقاهُ من بعدِ المودَّةِ بالجفا
وَيُنْكِرُ عَيْشًا قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
- وَيُظْهِرُ سِرًّا كان بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا
- صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَا
- ومن ذلك ما قاله الشاعر الوزير محمود سامي البارودي إذ قال:[٦]
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ
- بَلِ الصَّدِيقُ الَّذِي تَزْكُو شَمَائِلُهُ
إِنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ
- أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسَائِلُهُ
يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ
- وَلا تُغِبُّكَ مِنْ خَيْرٍ فَوَاضِلُهُ
لا كَالَّذِي يَدَّعِي وُدًّا وَبَاطِنُهُ
- بِجَمْرِ أَحْقَادِهِ تَغْلِي مَرَاجِلُهُ
يَذُمُّ فِعْلَ أَخِيهِ مُظْهِرًا أَسَفًا
- لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّ الْحُزْنَ شَامِلُهُ
وَذَاكَ مِنْهُ عِدَاءٌ فِي مُجَامَلَةٍ
- فَاحْذَرْهُ وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَاذِلُهُ
- وكذلك يقول شاعر الرسول حسان بن ثابت -رضي الله عنه- عن الصداقة:[٧]
أَخِلّاءُ الرَخاءِ هُمُ كَثيرٌ
- وَلَكِن في البَلاءِ هُمُ قَليلُ
فَلا يَغرُركَ خُلَّةُ مَن تُؤاخي
- فَما لَكَ عِندَ نائِبَةٍ خَليلُ
وَكُلُّ أَخٍ يَقولُ أَنا وَفِيٌّ
- وَلَكِن لَيسَ يَفعَلُ ما يَقولُ
سِوى خِلٍّ لَهُ حَسَبٌ وَدِيْنٌ
- فَذاكَ لِما يَقولُ هُوَ الفَعولُ
المراجع[+]
- ↑ "تعريف و معنى الصداقة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "صداقة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020. بتصرّف.
- ↑ "الصداقة"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020.
- ↑ "المرء يُعرف في الأنام بفعله"، www.islamicsham.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020.
- ↑ "إذا المرء لا يرعاك"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020.
- ↑ "ليس الصديق الذي تعلو مناسبه"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020.
- ↑ "أخلاء الرخاء هم كثير"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-03-2020.