سؤال وجواب

الرثاء-في-الشعر-الجاهلي


تعريف الشعر الجاهلي

يُطلق مصطلحُ الشعر الجاهلي على الشعر العربي الذي كُتب من قبل الشعراء العرب في العصر الجاهلي وباللغة العربية تحديدًا، وهو عصر يفتقر إلى التدوين، حيثُ كان الناس يتناقلون المواد الأدبية من شعر ونثر وغيرها من الكتابات الأدبية شفهيًّا، وقد انتقل الشعر إلى العصور التي تلت العصر الجاهلي عن طريق الرواة الذين حفظوا الشعر ونقلوه لمن بعدهم إلى أن جاء عصر التدوين، ومن أشهر الرواة الذين نقلوا الشعر: حمادة الراوي وخَلَف الأحمر والمفضل الضبي والأصمعي وغيرهم، وهذا المقال سيتحدث عن الرثاء في الشعر الجاهلي وشعراء الرثاء.

أغراض الشعر الجاهلي

قبلَ الانتقال إلى الحديث عن الرثاء في الشعر الجاهلي، لا بدَّ من الإشارة إلى أغراض الشعر الجاهلي المتنوعة في تلك المرحلة، فمن الطبيعي أن تفرضَ كل بيئةٍ على شعرائها وأدبائها نمطًا معينًا من الكتابة يستمدُّ عناصره من عناصر البيئة نفسها، وكذلك في العصر الجاهلي كان الشعر وليد تلك المرحلة المتوشحة بملامح البداوة والمتربعة في جوف الصحراء، فعبَّر الشعر عن روح تلك المرحلة ومتطلباتها، وكان صوت الأرض والبشر الوحيد، وقد تعددت أغراض الشعر في العصر الجاهلي وتنوعت وكان لبعضها تميزًا عن الآخر، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر أهم أغراض الشعر الجاهلي: [١]

  • الفخر والحماسة: يعدّ الفخر والحماسة من أشهر أغراض الشعر في تلك المرحلة وأكثرها انتشارًا، حيثُ يشمل على الشجاعة والبطولة والكرم والصدق والافتخار والعفة ومختلف أنواع الفخر، فقد افتخر الشعراء بملوكهم ورؤساء قبائلهم وقبائلهم، بالإضافة إلى الشعر الذي يعمل على رفع روح المقاتلين لملاقاة الأعداء.
  • الغزل: وأيضًا يعدّ الغزل من أشهر أغراض الشعر الجاهلي، حيث كان ينقسم إلى نوعين: غزل عذري أو عفيف وهو الغزل الذي يبتعد عن التوصيف الجسدي للمرأة، ومن أشهر شعرائه الشنفرى وهو من الشعراء الصعاليك، وهناك أيضًا الغزل الصريح وهو الغزل الذي يتناول توصيف المرأة ومفاتنها ويصورها بشكل مباشر ومن أشهر شعرائه امرؤ القيس.
  • الهجاء: كان للهجاء في العصر الجاهلي وجودٌ ملحوظٌ وانتشارٌ قويّ، إذ كان الشعر هو المنبر الوحيد ووسيلة الإعلام الأولى في المجتمع، ممّا جعله وسيلة لتحقيق كثير من الأغراض منها الهجاء، وبسبب كثرة الحروب والصراعات بين القبائل والتي كانت تستمر لعشرات السنين أحيانًا وبسبب البيئة الصحراوية الجافة التي جبلَت العرب على شيء من الجفاوة كل ذلك ساهم في ظهور شعر الهجاء، ولكنَّه كان هجاءً منضبطًا يخلو من السب والشتم.
  • المدح: انتشر كذلك المدح في الشعر الجاهلي إذ كان الشعراء في ذلك العصر أكثر ميلًا للتقرب من الملوك وأسياد القبائل وخاصة أن من هؤلاء من كان يكرمُهم ويُجزلُ لهم العطاء، وانقسم شعر المدح إلى نوعين: المدح الذي ينبع من صدق العواطف والمشاعر تجاه الشخص أو الشيء الممدوح، ومدح غايته الكسب والحصول على المال أو الجاه من الممدوح.
  • الوصف: كما سبق فإنَّ الشعر الجاهلي ابن تلك البيئة الصحراوية، فكان شعر الوصف من أشهر الأغراض والذي لا تخلو منه قصيدة من قصائد الشعر الجاهلي، حيثُ تناول الشعراء وصف كلّ ما يمكن أن تتضمنه بيئتهم وكلّ ما يقع عليه نظرهم، فوصفوا الإبل والخيل والظباء والأطلال والجبال والصحراء، وكذلك أكثروا من وصف الخمر لأنهم كانوا يعشقونها كثيرًا.
  • الاعتذار: يعدُّ النابغة الذبياني مؤسّس شعر الاعتذار الذي ظهر في العصر الجاهلي حيث اعتذر للملك النعمان بعد أن هجاه سابقًا، ويعدّ شعر الاعتذار منحدرًا من شعر المدح؛ إذ يقوم على ذكر صفات الشخص الممدوح نفسه مضافًا إلى تلك الأمور مشاعر الخوف والرجاء والتلطّف والاسترحام والحرص على طلب المودة وغير ذلك.
  • الحكمة: تُعرف الحكمة على أنها قول مختصر مشهور يعبر عن فكرة صحيحة بأسلوب جميل، وتسعى الحكمة دائمًا إلى الخير وتحقيق الصواب ونبذ الشر والخطأ، ويعتبر شعر الحكمة من الأشعار المشهورة في الشعر الجاهلي ويتضمن كثير من الحكم ممتزجة بالمشاعر والأحاسيس المؤثرة، وجمع شعر الحكمة بين قوة الألفاظ وروعة التعبير والدقة في التشبيه والإيجاز ومن أشهر شعراء الحكمة زهير بن أبي سلمى.
  • الرثاء: من الأغراض التي كانت منتشرة بشكل كبير في الشعر الجاهلي هو شعر الرثاء، إلا أن الرثاء بشكل أساسي نوع من أنواع المدح تذكر فيه صفات الشخص الميت مضافًا إليها مشاعر الحزن والأسى، وفي الفقرة التالية سيتم الحديث عن الرثاء في الشعر الجاهلي بالتفصيل.

الرثاء في الشعر الجاهلي

لا يختلف الرثاء في الشعر الجاهلي عن المدح كثيرًا، حيثُ يعتبر الرثاء في الشعر الجاهلي أحد أنواع شعر المدح إلا أنه يترافق مع كثير من مشاعر الحزن والأسى ولوعة الفراق مع ذكر خصال الشخص الميت وتمجيدها والتغني بها، وظهر هذا النوع من الشعر بسبب كثرة الحروب والصراعات التي كانت تنهي حياة الكثيرين من الأبطال والشبان الشجعان، فعندما كان يموت أحد أفراد القبيلة أو الأسرة يبالغ الناس في إظهار الحزن والأسى على فقيدهم ويهرعون لنسج قصائد الرثاء لإظهار عظمة الفقيد وخصاله الحميدة ومواقفه المجيدة وغير ذلك ومظهرين الأثر الذي تركه بعد موته، ويمتلك الرثاء في الشعر الجاهلي العديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من أساليب الشعر، وفيما يأتي أهم خصائص شعر الرثاء في العصر الجاهلي: [٢]

  • ذكر خصال وشمائل الميت وتمجيدها.
  • يتميز هذا النوع من الشعر بصدق العاطفة، إذ ينبع من حزنٍ عميق على فقد أحد الأحبة والأقارب فيكون أقرب ما يكون إلى الصدق وعدم التصنع والتكلف.
  • الحزن والأسى العميق الذي يطغى على مجمل شعر الرثاء في العصر الجاهلي.
  • يتميز أيضًا برقة الأحاسيس التي تنتشر في قصيدة الرثاء وتميزها عن غيرها بسبب الأسى الذي يسببه فقد الشخص الذي يتناوله الشاعر.
  • ابتعاده عن الكذب والمبالغة في ذكر المشاعر والأحاسيس وغيرها.
  • يتميز بسمات الصبر التي تظهر جلية في معظه، فرغم شدة الحزن والتفجُّع التي تظهر في الرثاء إلا أنه يحمل دعوة إلى الصبر والتجلد على نوائب الدهر.

شعراء الرثاء في العصر الجاهلي

اشتُهر من شعراء الرثاء في العصر الجاهلي كثيرٌ ممّن أجادوا ذلك النوع من أنواع الشعر وساهموا في انتشاره بشكل أكبر، وقد كان الشاعر أحيانًا يرثي قريبًا له كأخيه أو أبيه ومن الأمثلة على ذلك: المهلهل بن ربيعة الذي رثى أخاه كُلَيْبًا، وهناك أيضًا الشاعر الذي يرثي أناس آخرين أصحاب شأن في القبيلة أو في غير قبيلته، ومن الأمثلة على ذلك: أوس بن حجر الذي رثى فضالة الأسدي. ومن شعراء الرثاء في العصر الجاهلي: المهلهل، الخنساء، دريد بن الصمة، أوس بن حجر، لبيد، أعشى باهلة، طفيل الغنوي، أبو داوود الإيادي، سعدى بنت الشمردل، الجليلة زوجة كليب وغيرهم، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر أهم شعراء الرثاء في العصر الجاهلي مع ذكر لمحة موجزة عن كل منهم:

المهلهل بن ربيعة

يعدُّ الشاعر عدي بن ربيعة الملقب بأبي ليلى المهلهل من أشهر الشعراء في العصر الجاهلي وهو فارس من فرسان قبيلة تغلب التي كانت تسكن في شمال شرق شبه الجزيرة العربية، كان أحد الأبطال في العصر الجاهلي، سمي بالمهلهل لأنه يعدّ أول من هلهل الشعرَ ورققه، قُتل أخوه كليب فحزن عليه حزنًا شديدًا وغضبَ وخاضَ حربًا طولةً بسبب ذلك وهي حرب البسوس، وكتب شعرًا كثيرًا في رثاء أخيه كليب، ومن أشهر ما كتب في رثاء أخيه: [٣]

دعوتُكَ يا كُليب فلم تجبني          وكيف يجيبني البلد القفار

أجبني يا كُليب خلاك ذمٌّ             فقد فُجعت بفارسها نزارُ

دريد بن الصمة

يعدُّ دريد بن الصمة من فرسان وأبطال العرب في الجاهلية، وهو من أشهر الشعراء الجاهليين، وهو جشمي بكري من هوزان وكان سيد بني جشم، ويقال إنه خاض مئة معركة وغزوة لم يهزم في أي واحدة منها، عمَّر طويلًا وأدرك الإسلام لكنه لم يسلم وقتل يوم حنين، وله شعر كثير في رثاء أخيه عبد الله، ومن أشهر ما قال في الرثاء: [٤]

أَرَثَّ جَديدُ الحَبلِ مِن أُمِّ مَعبَدٍ          بِعاقِبَةٍ وَأَخلَفَت كُلَّ مَوعِدِ

وَبانَت وَلَم أَحمَد إِلَيكَ نَوالَها            وَلَم تَرجُ فينا رِدَّةَ اليَومِ أَو غَدِ

دَعاني أَخي وَالخَيلُ بَيني وَبَينَهُ            فَلَمّا دَعاني لَم يَجِدني بِقُعدَدِ

أَخي أَرضَعَتني أُمُّهُ بِلِبانِها             بِثَديِ صَفاءٍ بَينَنا لَم يُجَدَّدِ

فَجِئتُ إِلَيهِ وَالرِماحُ تَنوشُهُ            كَوَقعِ الصَياصي في النَسيجِ المُمَدَّدِ

أوس بن حجر

هو الشاعر الشهير أوس بن حجر بن مالك التميمي، يعد من كبار شعراء قبيلة تميم في العصر الجاهلي، كان كثير التنقل والسفر وأكثر إقامته كانت عند عمرو بن هند في الحيرة، عمر طويلًا، يمتاز شعره بالرقة ويحوي الكثير من الحكمة، اعتبره ابن سلام في ثاني طبقة من طبقات الشعراء، وله شعر يرثي فيه فضالة الأسدي، وأشهر قصيدة له في رثاء فضالة مطلعها: [٥]

أَيَّتُها النَفسُ أَجمِلي جَزَعا             إِنَّ الَّذي تَحذَرينَ قَد وَقَعا

إِنَّ الَّذي جَمَّعَ السَماحَةَ وَالـ          نَجدَةَ وَالحَزمَ وَالقُوى جُمَعا

الأَلمَعِيَّ الَّذي يَظُنُّ لَكَ الـ             ظَنَّ كَأَن قَد رَأى وَقَد سَمِعا

الخنساء

هي تماضر بنت عمرو بن الحارث، من بني سليم من قيس عيلان من مضر، تعدُّ من أشهر الشواعر العرب في الجاهلية وربما أشعرهنّ على الإطلاق، أدركت الإسلام وأسلمت وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يطلب منها أن تنشد الشعر ويعجب بشعرها ويقول: هيه يا خنساء، لكنَّ أشهر وأفضل ما كتبت من شعر كان في الجاهلية في رثاء أخويها معاوية وصخر اللذَيْن قُتِلا، ولها شعرٌ كثير في رثاء أخوَيْها، وفيما يأتي بعض أبيات من أشهر ما قالت في الرثاء: [٦]

بَكَت عَيني وَعاوَدَها قَذاها           بِعُوّارٍ فَما تَقضي كَراها

عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ          إِذا ما النابُ لَم تَرأَم طِلاها

فَتى الفِتيانِ ما بَلَغوا مَداهُ           وَلا يَكدى إِذا بَلَغَت كُداها

ولها أيضًا الآتي:

قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ         أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ

كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت          فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ

تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت          وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ أَستارُ

تَبكي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَت         لَها عَلَيهِ رَنينٌ وَهيَ مِفتارُ

تَبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها        إِذ رابَها الدَهرُ إِنَّ الدَهرَ ضَرّارُ

المراجع[+]

  1. الأدب العربي في العصر الجاهلي, ، "www.marefa.org"، اطُّلع عليه بتاريخ 7-2-2019، بتصرف
  2. في تاريخ الأدب الجاهلي, ، "www.shamela.ws"، اطُّلع عليه بتاريخ 7-2-2019، بتصرف
  3. عدي بن ربيعة, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 7-2-2019، بتصرف
  4. دريد بن الصمة, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 7-2-2019، بتصرف
  5. أوس بن حجر, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 7-2-2019، بتصرف
  6. الخنساء, ، "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 7-2-2019، بتصرف