قصة-جميل-وبثينة
قصص الحب في التاريخ الأدبي
تكثرُ في الأدب العربي قصص الحب التي كان أبطالها في الغالب شعراء وشواعر أثْروا خزينة الأدب العربي والغزل العربيّ على وجه الخصوص بكثير من النصوص الأدبية الشعرية التي كُتبت في الحبِّ والهُيام، فجسَّدوا فطرة الإنسان القائمة على الحب خير تجسيد، حتَّى كان بعضهم يفنى ويذوب في اليوم والليلة ألف مبرة فداءً لمحبوبته وشوقًا، وحتَّى مات بعضهم حبًّا وشوقًا ورغبة بلقائها، وتاليًا سيتم الحديث عن قصة جميل وبثينة وعن أبرز ما جاء من شعرٍ في هذه القصة.
جميل بن معمر
هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، شاعر وعاشق عربي قديم، وُلِدَ سنة 82 للهجرة، وهو أحد رواة الشعر القدماء، وأحد فصحاء العرب، روى شعرَ هدية بن خشرم وروى شعرَه كثيَّر عزَّة فيما بعد، يرجع نسب جميل إلى قبيلة عذرة، من قضاعة من حمير من قبيلة سبأ التي ترجع إلى قحطان، وهم العرب اليمنيون، يتصف بالجود والكرم وحُسن الخَلق والخُلُق.
ويعدُّ جميل بن معمر أحدَ أشهر شعراء العرب والسبب راجع إلى قصة حبِّه لفتاة عربية اسمها بثينة وهُيامه بها وهي بنت حيان بن ثعلبة العذرية، وهي من قبيلة عذرة أيضًا، هام بها جميل فهام على وجهه فقد خطبها من أبيها فرفض أبوها تزويجه إياها وزوجها رجلًا آخر، فعشقها جميل وجُنَّ بها جنونًا فكتب لها أرق الكلمات وأبدع فيها أروع القصائد، فكان شاعرًا غزيلًا يلجأ إلى الفخر تارة وإلى الغزل والنسيب تارات، وهو القائل في حبٍّ بثينة بعد أن امتنع أهلها عن تزويجِهِ بثينة:
ولو أنَّ ألفًا دون بثنَةَ كلُّهم غَيارى وكلٌّ حاربٌ مزمعٌ قَتْلِي
لحاولتُها إمَّا نهارًا مجاهرًا وإمَّا سُرى ليلٍ ولو قُطِّعتْ رِجْلِي
وفي أواخرِ حياتِه سافر جميل بن معمر إلى مصر وأقبل على واليها الأموي وهو عبد العزيز بن مروان، فأحسن عبد العزيز معاملته وأكرم نزله، وما لبث جميل في مصر قليلًا حتَّى مات فيها، ولمَّا وصل موته إلى حبيبته بثينة أنشدت وقال فيه:
وإنَّ سُلوِّي عن جميلٍ لِسَـاعةٌ منَ الدَّهرِ ما حانَتْ ولا حانَ حينُها
سواءٌ علينَا يا جميلُ بـُن مَعْمَرٍ إذا مُتَّ، بأساءُ الحياةِ ولينُها
فمات جميل وتركَ وراءَه شعرًا يُكتب بماء الذهب، ويُعلَّق على جدران القلوب، ويتداوله العشَّاق جيلًا وراء جيل. [١]
قصة جميل وبثينة
حدثت قصة جميل وبثينة في العصر الأموي، في الجزيرة العربية في قبيلة عذرة، حيث أحب وهام الشاعر المعروف جميل بن معمر العذري فتاة من قومه تُدعى بثينة، وكان جميل قد رأى بثينة في صغره عندما كان يرعى الإبل، فجاءت بثينة بإبلِ أهلها ووردت الإبل إلى الماء فخافت إبل جميل من إبل بثينة ونفرت منها، فسبَّ جميل بثينة ولم تسكت بثينة فسبته أيضًا، ومن هنا بدأت قصة الحب الخرافية، قصة جميل وبثينة التي تطوَّرت واشتدَّ هيامهما ببعضهما، فطلب جميل بثينة من أهلها، فرفضه أهلها وزوجوها لغيره، فهجاهم جميل بن معمر في إحدى قصائده التي قال فيها:
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ مُقِيدٌ دَمي أَو قاطِعٌ مِن لِسانِيا
فَفي العيشِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِ مَذهَبٌ إِذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ المَثانِيا
وَرَدَّ الهَوى أُثنانُ حَتّى اِستَفَزَّني مِنَ الحُبِّ مَعطوفُ الهَوى مِن بِلادِيا
تغزَّل جميل ببثينة كثيرًا، وكتب فيها قصائد خلَّدها الشعر العربي، واحتفظ بها في ذاكرته عميقًا، ومن المعروف أن الشاعر كثيّر عزة كان روايًا لشعر جميل بثينة، فيقول كثير في أحد قصصه التي رواها عن جميل: "قال لي جميل يومًا: خذ لي موعدًا مع بثينة، قلت: هل بينك وبينها علامة؟ قال: عهدي بهم وهم بوادي الدوم يرحضون ثيابهم، فأتيتهم فوجدت أباها قاعدًا بالفناء، فسلَّمتُ عليه، فردَّ وحادثته ساعةً حتى استنشدني فأنشدته:
وَقُلتُ لَها ياعَزَّ أَرسَلَ صاحِبي عَلى نَأيِ دارٍ وَالرَسولُ مُوَكَّلُ
بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِ مَوعِدًا وَأَن تَأمُريني بِالَّذي فيهِ أَفعَلُ
وَآخِرُ عَهدٍ مِنكَ يَومَ لَقيتَني بِأَسفَلِ وادي الدَومِ وَالثَوبُ يُغسَلُ
فضربتْ بثينةُ جانب الستر، وقالتْ: إخسأ، ولمَّا تساءل والدُها، قالتْ: كلبٌ يأتينا إذا نام الناس من وراءِ هذه الرابية، قال: فأتيتُ جميلًا وأخبرته أنَّها وعدته وراء الرابية إذا نام الناس".
سافر جميل إلى مصر ومات هناك ولم يحصل على بثينة، شأنه شأن كثير من العشاق الذين ماتوا وهم يحلمون بعشاقهم، مبعدون ومغربون يكويهم الشوق والحنين، مات جميل وترك للناس أجمعين شعرًا يحمل حبَّ بثينة ويوزِّعه على الأرض ويبقى في مخزونه المزيد من الحبِّ والشوق، لتبقى قصة جميل وبثينة حاضرة في أذهان العاشقين. [٢]
شعر جميل بثينة
استطاع جميل بثينة أن يخرج مع أقرانه من شعراء الغزل العذري من وعورة اللفظ التي كان يفرضها العصر الجاهلي، فكانوا ثورة شعرية حقيقية، أشعلها عمر بن أبي ربيعية، الذي استطاع أن يدخل فنَّ الحوار أو ما أسماه نقاد العصر الحديث بالدرامية للشعر العربي، وجعل منها غرضًا رئيسًا للقصيدة، وكان جميل واحدًا من الشعراء العرب الذي انتقل بشعره إلى بساطة الألفاظ وسلاسة الصياغة، فكتب بهدوء حمل شعره أجيالًا وأجيال حتَّى وصل إلى هذا العصر ولم يزل بين أيدي عامة الناس محببًا ومقبولًا، وهذه بعض الأمثلة الشعرية التي أنتجتها قصة جميل وبثينة وأهدتها على طبق من ذهب للشعر العربي كلِّه:
- يقول جميل بثينة في إحدى قصائده: [٣]
ارحَمِيني، فقد بلِيتُ، فحَسبي بعضُ ذا الداءِ، يا بثينةُ، حسبي!
لامني فيكِ، يا بُثينةُ، صَحبي لا تلوموا، قد أقرحَ الحبُّ قلبي!
زعمَ الناسُ أنّ دائيَ طِبّي أنتِ، والله، يا بُثينةُ، طِبّي!
- وفي قصيدة أخرى أبدعتها قصة جميل وبثينة يقول جميل: [٤]
إنّ المنازلَ هيّجتْ أطرابي واستعْجَمَتْ آياتُها بجوابي
قفرًا تلوح بذي اللُّجَينِ، كأنّها أنضاءُ رسمٍ، أو سطورُ كتابِ
لمّا وقفتُ بها القَلوصَ، تبادرتْ مني الدموعُ، لفرقةِ الأحبابِ
وذكرتُ عصرًا، يا بثينةُ، شاقني وذكرتُ أيّامي، وشرخَ شبابي
- ويقول أيضًا: [٥]
بثغرٍ قد سُقِينَ المسكَ منهُ مَساوِيكُ البَشامِ، ومن غُروبِ
ومن مجرى غواربِ أقحوانٍ شَتِيتِ النّبْتِ، في عامٍ خصيبِ
- وألهم قصة جميل وبثينة الشاعر قولَه: [٦]
بثينة، قالتْ: يَا جَميلُ أرَبْتَني فقلتُ: كِلانَا -يا بُثينَ- مُريبُ
وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانةً ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ
بعيدٌ على من ليسَ يطلبُ حاجةً وأمّا على ذي حاجةٍ فقريبُالمراجع[+]
- ↑ جميل معمر, ، "www.al-hakawati.la.utexas.edu"، اطُّلِع عليه بتاريخ 08-02-2019، بتصرّف
- ↑ جميل بن معمر, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 08-02-2019، بتصرّف
- ↑ ارحَمِيني، فقد بلِيتُ، فحَسبي, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 08-02-2019، بتصرّف
- ↑ إنّ المنازلَ هيّجتْ أطرابي, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 08-02-2019، بتصرّف
- ↑ بثغرٍ قد سُقِينَ المسكَ منهُ, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 08-02-2019، بتصرّف
- ↑ بثينة، قالتْ: يَا جَميلُ أرَبْتَني, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 08-02-2019، بتصرّف