مستويات-التحليل-الأسلوبي
محتويات
النص والتحليل الأسلوبي
للبحث في ظاهرة أسلوبية ما، فلا بدّ للناقد من نقطة ينطلق منها، إذ إنّ اتجاهات الدراسات الأسلوبية، ومستويات التحليل الأسلوبي متنوعة بما لا يمكن النظر فيها كاملة داخل النصّ، ومن هنا قد يكون النص هو مفتاح الناقد فيما يمكن الاتجاه إليه بالدراسة الأسلوبية. وذلك من خلال كشفه عن مكونات شخصية كاتب النص فيما يعرف بالأسلوب هو الرجل، أو من خلال النظر في تلقي النص من حيث أثر هذا النص وتأثيره العاطفي على المتلقي، أو من خلال مكونات النص بما يشتمل عليه من سمات أسلوبية منبثقة من الوحدات اللغوية فيه، بعيدا عن علاقته بالكاتب أو المتلقي، وهذا ما ستنظر إليه هذه المقالة، مستويات التحليل الأسلوبي للنص من سمات الأسلوب فيه.
الأسلوبية
عَرفت المناهج النقدية والدراسات الأدبية الدراسات الأسلوبية التي درست الأسلوب والأسلوبية والسمات الأسلوبية عند الكتاب، ومستويات التحليل الأسلوبي، فكانت في كثير منها دراسات نظرية، وقلّ فيها الدراسات التطبيقية. [١].
ويلحظ في الدراسات الأسلوبية أنّها جاءت متداخلة مع البنيوية؛ كون الأسلوبيّة جاءت منبثقة من الفكر اللسانيّ اللغويّ والأدبي الذي جاء قبل ظهور الحركة البنيوية، ومتأثرة بالاتجاهات نفسها التي شكّلت البنيوية، وقد بدأت الدراسات الأسلوبية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأبحاث علم اللسانيات وأبحاث علم اللغة، عام 1886، على يد العالم الفرنسي جوستاف كويرتنج، إلا أن مؤسسها الفعلي هو شارل بالي الذي قال: "إنّ علم الأسلوب يُعنى بدراسة الوسائل التي يستخدمها المتكلم للتعبير عن أفكار معينة، وأنّ العمل الأدبي هو ميدان علم الأسلوب". لقد اشتركت عدد من المدارس في تنمية الاتجاهات الأسلوبية بالاعتماد على الأسس اللغوية، ومنها أسلوبية الحدس العتمد على الدائرة الفينولوجية عند المدرسة الألمانية، والأسلوبية التعبيرية عند المدرسة الفرنسية، وما كان للمدرسة الإيطالية من بث روح التجديد في البلاغة العربية والإنباء بمقدمات فكر أسلوبي جديد في الثقافة العربية، عند المفكر أمين الخولي.
وقد حاولت الأسلوبية التركيز على السطح اللغوي للنص الأدبي، فحاولت التقاط السمات الأسلوبية فيه بما فيها من اختيارات يمكن أن يختارها الكاتب دون أخرى، وتحديد ما فيه من ظواهر ناجمة عن توليد مظاهر لغوية محددة، بأكبر قدر ممكن من الدقة والتجسيد، ولكنها كانت أحيانًا تختلط بالنص ذاته من خلال التفسير، وشرح وظائفه الجمالية، في محاولة تجاوز السطح اللغوي، والتعمق في ديناميكية الكتابة الإبداعية، وظلوعها بوظائفها الجمالية الفعلية، وكل ذلك من خلال قيام مستويات التحليل الأسلوبي بدورها الفاعل في النص.
مستويات التحليل الأسلوبي
نظرًا لتعدّد اتجاهات الدراسة الأسلوبية وتعدد مفصليّاتها بتعدّد المستويات اللغويّة في النص الأدبي، فعلى الدارس الأسلوبي أن يقتصر على دراسة مستوى واحد من مستويات التحليل الأسلوبي، ويركز فيه على سمة أسلوبية بارزة؛ ليحقق لدراسة فاعليتها وجودتها المرجوّة. والدارس الأسلوبي في هذا التحليل يركز على مستوى من مستويات التحليل الأسلوبي الآتية:
- المستوى الصوتي: ويُدرس فيه الوزن، والقافية، والتنغيم، والنبر، والقطع، والتنغيم، وصفات الأصوات من همس وجهر وشدّة ورخاوة وأثرها في المعنى.
- المستوى الصرفي: ويُدرس فيه الصيغ الصرفية، والعناصر الصوتية وما ينتج عنها من معاني صرفية أو نحوية، وتأثير الصرف على المعاني النحوية.
- المستوى النحوي: ويُسمّى بالتركيبي، وتُدرس فيه الجملة من حيث طولها و قصرها، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، والتقديم والتأخير، والإضافة، والتعريف والتنكير، والصفة والموصوف، والعدد والمعدود، والصلة والموصول، والتذكير والتأنيث، والروابط وما تشمله من حروف وأفعال وتراكيب مكانية وزمانية، والبنية العميقة والبنية السطحية، والمبني للمعلوم والمبني للمجهول، والقرائن اللفظية أو المعنوية التي يستخدمها الكاتب، وطبيعة الضمائر، وغيره كثير، وما له من دور في المعنى.
- المستوى الدلالي: ويُدرس فيه العتبات، والكلمات المفاتيح، والسياق اللغوي، والصيغ اللغوية والاستفهامية، وطبيعة المعجم اللغوي المستخدم في النص، والرموز، علامات التأنيث والتذكير، والجمع والتعريف والتكير.
- المستوى البلاغي: ويُدرس فيه الصور الفنية والاستعارات والمجازات، واستخدام المحسنات البديعية، وأساليب الإنشاء الطلبي وغير الطلبي؛ الاستفهام، والأمر، والنهي، والقسم، والتعجب، والنداء، والدعاء، وما تؤدّيه هذه الأساليب من معان.
وقد نجد أن هذه المستويات تتقاطع بين الدرس الأسلوبي والدرس البنيوي، إلا أنها في الأسلوبية تسعى للوصول إلى سمات الأسلوب داخل نص معين، في حين أنها في البنيوية تسعى إلى كشف العلاقات والوشائج الداخلية، لعناصر النص الأدبي التي تدل على كيفية تكوين النص، بعيدًا عن أي مؤثر خارجي.
الفرق بين الناقد الأدبي والمحلل الأسلوبي
إن دراسة مستويات التحليل الأسلوبي، تستلزم محللًا أسلوبيًا، بدلًا من الناقد الأدبي، وذلك لما بينهما من فرق وظيفيّ، فالمحلل الأسلوبي يُعنى بالبحث عن البنى الأسلوبية التي تُحدِث توترًا في النص، وتؤثّر على القارئ، وهو كثيرًا ما يستخدم الإحصاء للبحث عما يعرف بالانزياحات الأسلوبية داخل النص عن قوانين الصوت وقواعد النحو والدلالة والبلاغة، ومدى تكرار هذه الانزياحات وتواترها.
أما الناقد الأدبي، فلا يلتفت لتلد البنى الأسلوبية، إلا فيما تحدثه من أثر جمالي في النص، ويقدّم للنص نقدًا انطباعيًا ذاتيًا، تكون تلك البنى الأسلوبية جزءًا منه في المرحلة النصّانية، كما أن عمل الناقد الأدبيّ في النقد الأدبي أوسع من عمل المحلّل الأسلوبيّ للنص.