سؤال وجواب

مفهوم الشعرية العربية


تطور اللغة

عُرفت الُّلغة بوصفِها مؤسّسةً معرفيّةً غرضُها الأساسيّ التواصل، وثمّة تطور مستمرّ حاول التمرّد الدائم على بنيتها، وتجديدًا في نظرياتها التي سعت دائما إلى تحديد كينونتها، خاصّة في الشعر والبلاغة، وكانت أبرز ملامح التطور والتجديد تتجهُ باتجاه وظائف اللغة الجماليّة، التي تشتغل على الأنساق اللغويّة داخل النص الأدبيّ، سواءً كانت مضمورة أم مُعلَنة، ومن هنا ظهر مفهوم الشعرية العربية بوصفه مفهومًا نقديًّا ونظريّة معرفيّة، تُعنى بقوانين اللغة -خاصّة الشعر ثمّ الرواية- داخل الخطاب الأدبيّ، واشتغالاته الجماليّة في النصوص الإبداعية، وفي هذا المقال شرحٌ مفصّل حول مفهوم الشعريّة العربيّة وتطوّرها.

تطور مفهوم الشعرية العربية

لم يظهر مفهوم الشعرية العربيّة في الدراسات النقديّة فجأة، فالتجديد في الشعر تجاوَزَ حدود الزمان والمكان في محاولاته الدائمة في التمرّد على ما ثبت في قوانين الشعر العربيّ وقواعده، وقد أشارت الدراسات حول مفهوم الشعرية العربية أنّ له جذورًا أدبيّة عند العرب القُدامى، ومنهم ابن حسان بن ثابت عندما قال في لسعة دبور له "لسَعَني طائر كأنه ملتفٌّ في بردتي حِبَرَة"، على اعتبار أنه قال شعرًا غير موزون، ولكن أشار النقاد لاحقًا أنّ الجمالية فيه لم تكن مقصودة لمصطلح الشعريّة بقَدْر قصد الجماليّة الفنيّة في استخدام الصورة الفنيّة. [١].

كما عَرَفَ مفهوم الشعرية العربية جذورًا نقدية عند العديد من النقاد العرب القدامي، منهم: ابن رشد والفارابي وابن سينا وحازم القرطاجني الذي استخدمها بما يقارب معناها الاصطلاحي في القرن السابع الهجريّ، ولكن دون أن يقدموا تعريفًا واضحًا لها، ودون أن يفصلوا بينها وبين الشعر، إذ جاءت بحوثهم عن الشعر تتناول بشكل عام قواعد الشعر العربي المتحكمة بالإبداع الشعري، والنظر إلى النص من الخارج من خلال الحديث عن الحالة النفسيّة للشاعر عند كتابة النص والحالة النفسيّة للمتلقّي والطّبع. [٢].

إلّا أنّ الدّراساتِ أكّدت أن مفهوم الشعرية العربية اصطلاحًا بدأ بالتبلور، وظهرت إرهاصاته الفعليّة مع ظهور الخطاب الرومانسي عند جبران خليل جبران مثلًا، وظهور المدرسة الرومانسية واتجاهاتها المختلفة، وما انبثق عنها من ظهور الشعر الحرّ الذي مثّل مرحلة انتقالية بين الشعر الكلاسيكيّ والشعر الحداثيّ، وكانت جماعة مجلة شعر كمحمد الماغوط ويوسُف الخال وخالدة سعيد وأدونيس وأنْسي الحاج وغيرهم، خير من جسّد مفهوم الشعرية العربية في النص الشعري وإخراجه عمّا حاول النقد القديم تحديده في قصيدة عمود الشعر، من خلال قصيدة النثر التي ترجموا فيها مشروع الناقدة الفرنسية سوزان برنار حول مفهوم قصيدة النثر، وأسّسوا من خلالها فهمًا جديدًا للنص الشعري ولمفهوم الشعرية العربية. [٣]

تعريف مفهوم الشعرية العربية

اختلفَ النّقاد في الاصطلاح على مفهوم الشعرية العربية، فتعددت بينهم المصطلحات إلى أن وصلت إلى ثلاثين مصطلحًا، حاولت أن تحدّد من خلالها مقوّمات الشعرية ومرتكزاتها الأساسية، إلّا أنّ جميعَها اشترك في تحديد المفهوم على أنّه البحث عن قوانين الإبداع، ومن هذه المصطلحات: الشعرية، والإنشائيّة، والشاعريّة، وعلم الأدب، والفن الإبداعيّ، وفن النّظم، وفن الشعر، ونظرية الشعر، والبويطيقيا، والبويتك، والأدبية، والابداعية، ولعلّ أكثرَ هذه المصطلحات شيوعًا كان الشعرية والأدبية، اللتانِ تُعنَيان بشكل مباشر بما يميّز نصًّا أدبيًّا ضمن جنس أدبيّ معيّن عن باقي النصوص الأدبية ضمن أجناس أدبية أخرى، أي الاهتمام بالقواعد التجنيسيّة لنص أدبي معين، من خلال تحديد مكوّنات جنسه الأدبي وسماته المائزة التي تجعل من هذا النص أدبًا، وتميّزه عن نصوص أخرى غير أدبية.

ويقصد بالشعرية كلّ قانون داخليّ للأدب مَعني باختيارات المبدع الأدبية والسمات الأسلوبية في نصه المكتوب والتي تميز نصه عن باقي النصوص الأخرى، كما عرّفها أدونيس، وهذا يعني أن تكون البُنى الداخليّة للنص الأدبي، وآلية بنائها وعملها هي واحدة من موضوعات الشعرية، كالبنى الصوتيّة والصرفيّة والنحويّة والإيقاعيّة، وتوشجها فيما بينها بما يحقق بصمة للأديب في أدبه، ويُسهم في تحليل الخطاب الداخليّ في النص.

في حين عرّفها كمال أبو ذيب بأنّها الفجوة أو مسافة التوتر بين اللغة المجودة أصلًا واللغة المبتكرة، أو بين البنية العميقة للنص والبنية السطحية، وأشار في تعريفه إلى أن التطابق بين البنيتين أو اللغتين يعني انعدام الشعرية في النص، وهنا يبرز اهتمام الشعرية بالوظيفة الجمالية للنص من خلال ما يتخلل النص من تقاطعات بين دلالة النص، وعلاقات التجاور بين بناه الداخلية والتركيبات النحوية، مما ينتج عنه قيام الشعر بالوظيفة الشعرية، والقصة بالوظيفة القصصية، وهكذا مع الأجناس الأدبيّة كلّها، ورغم اجتماع النقّاد على أنّها تتمثل في قوانين الإبداع الأدبيّ، إلّا أن التوسّع في تعريف المفهوم، لم يَخْلُ من الاختلاف فيما بينهم. [٤]

المراجع[+]

  1. "بين الشعر والشعرية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2019. بتصرّف.
  2. "الشعرية: تحولات المصطلح والتاريخ"، www.ahewar.org، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2019. بتصرّف.
  3. "الحداثة الشعرية العربية بين الممارسة والتنظير"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2019. بتصرّف.
  4. "الشعرية: تحولات المصطلح والتاريخ"، www.ahewar.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2019. بتصرّف.