أحداث سرية مؤتة
محتويات
سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم
قال تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[١] بنزول هذه الآية فُتح باب القتال والجهاد في سبيل الله على مصراعيه إذ تحمل الإذن بالقتال وفق أحكام الشريعة؛ فبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في تجهيز أصحابه معنويًّا وقتاليًّا لخوض المواجهات العسكرية مع قريشٍ وغيرها نصرةً للإسلام واستردادًا للحقوق المسلوبة، فكانت السرايا جزءً من التنظيم القتالي إذ يُرسل النبي الكريم عددًا من أصحابه بقيادة أحدهم لغايات الرّصد والاستطلاع وبثّ الرعب في قلوب الأعداء وغيرها حتى بلغت تلاثة وسبعين سريةً بين السنة الثانية والحادية عشرة للهجرة، وتعتبر سرية مؤتة واحدةٌ من أبرز تلك السرايا لما لها من خصوصيةٍ في التاريخ الإسلامي.
سرية مؤتة
تعتبر سرية مؤتة من سرايا الرسول -عليه الصلاة والسلام- المهمة إن لم تكنْ أهمها على الإطلاق، إذ كانت السبب في تغيير مجرى الأحداث والتاريخ في المنطقة العربية خارج حدود شبه الجزيرة العربية، وفتحت سرية مؤتة الباب واسعًا لانتشار الإسلام في بلاد الشام والعراق ومنها إلى سائر أنحاء المعمورة وتقويض أركان الدولة الرومانية في بلاد الشام وهدم المعتقدات الشِّركية التي كانت منتشرة بين القبائل العربية المتاخمة لشبه الجزيرة العربية؛ لذلك تُعرف سرية مؤتة في كُتب التاريخ باسم غزوة مؤتة على الرغم من عدم مشاركة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها لأهميتها الدينية والتاريخية والسياسية.[٢]
أسباب سرية مؤتة
وقعت أحداث سرية مؤتة بين جيش المسلمين وتعداده ثلاثة آلاف مقاتلٍ بقيادة زيد بن حارثة -رضي الله عنه- وجيش الأعداء المكون من التحالف القائم بين القبائل العربية النصرانية في بلاد الشام والروم وتعداده مائتي ألف مقاتلٍ في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة خارج حدود شبه الجزيرة العربية في موضعٍ يقال له مؤتة وهي اليوم بلدة تتبع محافظة الكرك الأردنية إلى الجنوب من العاصمة الأردنية عمان.[٣]
جاءت سرية مؤتة كرد فعلٍّ طبيعيٍّ على مقتل سفير النبي -صلى الله عليه وسلم- الحارث بن عمر الأزدي إلى قيصر الروم حاملًا إليه رسالةً من نبي الرحمة يدعوه فيها إلى الإسلام ونبذ الكفر والضلال؛ فمكاتبة الملوك والأمراء واحدٌ من الأساليب الدعوية التي اتبعها النبي -صلى الله عليه وسلم- في نشر الإسلام بين الأُمم إلا إن عامل قيصر الروم على بلاد الشام شرحبيل بن عمرو الغسّاني اعترض طريق الحارث بن عمر الأزدي -رضي الله عنه- واقتاده ثم قتله، وفي أعراف الأمم الاعتداء على السفراء والمبعوثين جريمةٌ نكراء توجب الحرب والثأر؛ لذا قرر النبي -عليه الصلاة والسلام- السير بجيشٍ نحو القبائل العربية النصرانية الجاثمة على حدود شبه الجزيرة العربية لتأديبها على فعلتها الغاشمة بسفير رسول الله.[٤]
التجهيز لسرية مؤتة
وصلت الأنباء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة بأنه تم الاعتداء على سفيره وقتله مكبلًا بأصفاده على يد واحدٍ من عُمال قيصر الروم على بلاد الشام، فغضب -عليه الصلاة والسلام- غضبًا شديدًا ودعى المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله ثأرًا مقتل سفيره إلى الروم، فاجتمع إليه الفرسان والمقاتلون من كافة الأنحاء ليصل تعداد الجيش النبوي إلى ثلاثة آلاف مقاتلٍ تحدوهم الرغبة في النصر أو الشهادة، وجُعلت قيادة الجيش إلى زيد بن حارثة وفي حال مقتله أو إصابته يحمل الراية جعفر بن أبي طالب فإن قُتل أو أُصيب يحمل راية القيادة عبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم- فإن قُتل فاختيار القائد الجديد بتشاور المسلمين ورضاهم فيما بينهم، ثم انطلق الجيش النبوي بعد أن عُقدت الرايات وتجهز المقاتلون للرحلة الطويلة صوب بلاد الشام محفوفين بدعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- ووصاياه التي يكررها على مسامع كل سريةٍ تخرج في سبيل الله، فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:{اغزوا باسمِ اللَّهِ وفى سبيلِ اللَّهِ وقاتلوا من كفرَ باللَّهِ، اغزوا ولا تغدروا ولاَ تغلُّوا ولاَ تمثِّلوا ولاَ تقتلوا وليدًا}[٥][٤]
أحداث سرية مؤتة
بدأ الجيش النبوي مسيرته نحو بلاد الشام حتى وصل إلى موضعٍ يقال له معان -مدينة جنوب الأردن حاليًا- بعد رحلةٍ طويلةٍ وشاقةٍ، وكانت المفاجأة في انتظار الجيش النبوي إذ اجتمع جيشٌ كبيرٌ من القبائل العربية النصرانية والروم معًا لمواجهة جيش المسلمين وتعداده مائتي ألف مقاتلٍ أي أضعاف أضعاف جيش المسلمين، مما استدعى تكوين مجلسٍ استشاريٍّ مصغّرٍ للتباحث في الوضع الراهن وانقسمت الآراء إلى: إرسال رسالةٍ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لإعلامه بالوضع في أرض المعركة وانتظار أوامره أو الانسحاب أو إكمال ما جيء من أجله وهو القتال دون تراجعٍ أو تهاونٍ، ثم تعالت الأصوات المنادية بخوض المعركة على الرغم من عدم التكافؤ بين الجانبيْن عددًا وعتادًا.[٣]
اختار المسلمون الموضع الأنسب للقتال موضع يقال له مؤتة التابعة لمحافظة الكرك جنوب الأردن فهي أرض صحراويةٌ تعيق نصب الكمائن لهم من قِبل الأعداء كما أنّ المسلمين معتادون على القتال في البيئة الصحراوية والتي ستكون صعبةً على الروم وأعوانهم، كما أنّ إلى الجنوب من هذا الموضع تمتد صحراء شمال شبه الجزيرة العربية التي ستخيف الأعداء من التوغل فيها تحسُّبًا لكمائن المسلمين خلف التلال الرملية التي يعرفونها جيدًا، ثم بدأت المعركة ضاريةً شرسةً ملحميةً من كلا الفريقيْن، فاستُشهد قائد جيش المسلمين زيد بن حارثة -رضي الله عنه- فحمل الراية بيمينه من بعده جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقُطعت فحملها بيساره فقُطعت فحملها بين عضديْه إلى أن سقط شهيدًا على أرض مؤتة، فحمل راية جيش المسلمين من بعده بناءً على أوامر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن رواحة -رضي الله عنها- فاستبسل في الدفاع عنها حتى خرّ شهيدًا في ساحة الوغى، وباستشهاد قادة الجيش الثلاثة أصبح جيش المسلمين بلا قائدٍ.[٤]
دور خالد بن الوليد في سرية مؤتة
كان لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- في سرية مؤتة دورٌ عظيمٌ وبارزٌ وهو حديث عهدٍ بالإسلام إذ وقع عليه اختيار المسلمين ليتولّى قيادة الجيش بعد استشهاد قادته الثلاثة، وجاء الاختيار بناءً على ما يتمتع به خالدٌ -رضي الله عنه- من المهارة الحربية والقتالية والتخطيطية فكان اختياره موضع إجماع المسلمين، وقد أشاد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الاختيار وهو في المدينة حين نقل خبر استشهاد القادة الثلاثة ثم تولي زمام الأمور لسيفٍ من سيوف الله وهو اللقب الذي لازم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في حياته وبعد وفاته، إذ استطاع خالدٌ بعبقريته القتالية الانسحاب بجيش المسلمين قليل العدد والعودة به سالمًا إلى المدينة دون خسائر بعد أن أوهم الفريق الآخر بأن مددًا جاء تحت جُنح الظلام إلى المسلمين من خلال خطةٍ محبوكةٍ تقضي بجري الخيل طوال الليل لتثير الغبار في الأنحاء وتوهم بوصول المدد، وفي الصباح أعاد ترتيب الجيش وتموضع أفراده بتبديل المواقع وبالتالي أربك الأعداء لتغيُّر الوجوه مما زاد من يقينهم بوصول الإمدادات في الليل، كما طلب إلى مجموعةٍ من الفرسان الاستمرار في الجري في النهار لإثارة الغبار وبالتالي إشعار الفريق الآخر بأن المدد ما زال مستمرًّا، هذه الخطة أتاحت لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- الانسحاب بالجيش كاملًا من أرض المعركة على مرأى ومسمع جيش الروم ومن حالفهم دون أن يحركوا ساكنًا خوفًا من اللحاق بهم والوقوع في فخ المسلمين في الصحراء، ثم عاد الجيش إلى المدينة المنورة لتكون بذلك سرية مؤتة أهم السرايا النبوية.[٤]المراجع[+]
- ↑ سورة الحج، آية: 39.
- ↑ "غزوة كأن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 14-05-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "معركة مؤتة"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-05-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "معركة مؤتة"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 2613، صحيح.