سؤال وجواب

قصة صلح الحديبية بالتفصيل


صلح الحديبية

هو صلحٌ عُقد بين المسلمين وقريش في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة في منطقة الحُديبية -وهي بئرٌ قرب مكة-، إذ أنّ النبي الكريم رأى في منامه أنّه دخل مكة مع المسلمين وطاف بالكعبة مُحرمًا معتمرًا، فبشر أصحابه بذلك وجهزوا أنفسهم وأعدوا العدّة، فخرج الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومعه ألف وربعمائةٍ من أصحابه متجهًا نحو مكة يريد العمرة، خرجوا محرمين لا يحملون معهم من السلاح إلّا سلاح السفر، ولمّا وصلوا إلى الحديبية منعهم أهل قريش من دخول مكة، وهنا بدأت قصة صلح الحديبية التي سيتحدث عنها هذا المقال بالتفصيل.[١]

قصة صلح الحديبية بالتفصيل

بدأت أحداث قصة صلح الحديبية عندما بلغ المسلمين أنّ قريشًا قد جهزت جيشًا لقتالهم لمنعهم من دخول مكة، فبعث الرسول الكريم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لحوار قريش وإخبارهم أنّ المسلمين أتوا معتمرين وليس مقاتلين إلّا أنّ قريشًا احتبسته، وعندما تأخر عثمان شاع بين المسلمين أنّ قريشًا قتلته، فجمع الرسول الكريم أصحابه لمبايعته تحت الشجرة على مواجهة المشركين، وسميت هذه البيعة "بيعة الرضوان" وقد ذكرها الله -تعالى- بقوله: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[٢].

سبب صلح الحديبية

عندما احتجزت قريش عثمان -رضي الله عنه- أرسلت عروة بن مسعود ليتبيّن حال المسلمين، إن كانوا حقًا أتوا معتمرين أم أنهم مقاتلون، ولمّا عاد عروة بن مسعود لقومه قال لهم: "أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك -كسرى، وقيصر والنجاشي- والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له، ثم قال: وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها"، فلما سمع كبار قريشٍ ما قاله أرسلوا مسرعين سهيل بن عمر إلى رسول الله ليعقد الصلح مع المسلمين، فلما رآه النبي الكريم قال: "هذا سُهيلٌ قد سهَّل اللهُ لكم أمرَكم "[٣]، فتكلم سهيلٌ كثيرً ثم اتفقا على الصلح ووضعا له شروطًا. [٤]

شروط صلح الحديبية

اتفق الرسول الكريم وسهيل بن عمر على الصلح بين المسلمين والمشركين، فدعا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- لكتابة شروط العقد، والتي كانت علي النحو الآتي:[٥]

  • عودة المسلمين ذاك العام إلى ديارهم دون أن يعتمروا على أن يدخلوا مكة العام المقبل معتمرين.
  • تقام هدنةٌ بين المسلمين وأهل قريش مدتها عشر سنوات.
  • عدم الاعتداء على أية قبيلةٍ في عهدة أحدٍ منهما مهما كانت الأسباب.
  • أنّ من أراد الدخول في عهد قريش دخل فيه، ومن أراد الدخول في عهد المسلمين -من غير قريش- دخل فيه.
  • أن يرد المسلمون من أتاهم مسلمًا من قريش دون إذن وليه، وألّا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين.

نقض صلح الحديبية

كانت من بين القبائل التي دخلت في عهدة الرسول الكريم قبيلة "خزاعة"، ودخلت قبيلة "بني بكر" في عهدة قريش، وكان بين هاتين القبيلين نزاعاتٌ وصراعاتٌ دائمة، فلما دخلتا في صلح الحديبية هدأت الحروب بينهما، وفي العام الثامن للهجرة- أي بعد عامين من الصلح- أغار جماعةٌ من بني بكر على جماعةٍ من بني خزاعة ليلًا فقتلوا رجلًا منهم، وعندما علمت قريش هذا أعانت قبيلة بني بكرٍ بالسلاح، وحتى أنّ منهم من قاتل معهم متسترًا، وعندها انطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في المدينة مستغيثًا ومستنجدًا فقال له النبيّ الكريم: "نُصرت يا عمرو بن سالم"، وسرعان ما أدركت قريش فعلتها، فأرسلت أبا سفيان إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لتجديد الصلح، لكنّ رسول الله رفض ولم يفلح أبو سفيان بإقناعه، وبدأ الرسول الكريم بالتجهيز لدخول مكة وتم بعد ذلك الفتح العظيم.[٦]

فتح مكّة

بعد سرد أحداث قصة صلح الحديبية لابد من ذكر مخلصٍ عن أحداث فتح مكة، لأن فتح مكة جاء نتيجة نقض عهد صلح الحديبية، فبعد الاعتداء على بني خزاعة أمر الرسول الكريم أصحابه بالتجهز للذهاب إلى مكة، وأمر أهله بتجهيزه، وحرص النبيّ الكريم على ألّا يصل خبر قدومه إلى مكة لأهل قريش كي يباغتهم، وهذا ما كان فلم تشعر قريش بقدوم الرسول وجيشه إلّا عندما أصبحوا قريبين جدًا من أسوار مكة في منطقة تدعى "الظهران"، وكان ذلك في العاشر من رمضان في العام الثامن للهجرة وقد كان معه عشرة آلافٍ من المسلمين، وعندها بدأ -عليه الصلاة والسلام- بتجهيز الجيوش لدخول مكة وأمرهم بإشعال النار ليلًا فأوقدوا عشرة آلافٍ منها، وعندها دبّ الرعب في قلوب أهل قريش وأرسلوا أبا سفيان للنبيّ الكريم ليأخذ لهم الأمان من رسول الله، فلما وصل أبو سفيان أعلن إسلامه، وبعدها دخل الرسول الكريم مكة مع جيوشه وكان من رحمته أنّه أعطى الأمان لكلّ من يدخل بيته وكلّ من يدخل بيت أبي سفيان وكلّ من يدخل المسجد الحرام وكلّ من يلقى سلاحه، فكان النصر العظيم للمسلمين بفتح مكة وسيطرة المسلمين فيها.[٧]

نتائج صلح الحديبية

إنّ من يقرأ قصة صلح الحديبية وشروط العقد المتفق عليه بين قريش والمسلمين، يُخيّل إليه أنها كانت شروطًا مجحفةً بحقّ المسلمين، وأنّ فوائد الصلح كانت عائدةً على المشركين وحدهم، لكنّ الرسول الكريم كانت نظرته للصلح ذات أبعادٍ أسمى، فقد بات واضحًا من قصة صلح الحديبية أنّ له نتائج كثيرةً لصالح المسلمين، ومنها:[٨]

  • اعتراف قريش بوجود المسلمين كدولةٍ لها كيانها، فلا تكون المعاهدة إلّا بين طرفين متساويين في المركز الاجتماعي.
  • تيقن الكثير من المشركين من عظمة الإسلام مماجعله يتعرّف عليه عن قرب ومنهم من أسلم بعد ذلك كخالد بن الوليد -رضي الله عنه-.
  • كانت الهدنة فرصةً للمسلمين بالتفرغ لنشر الدعوة الإسلامية وسمح هذا بدخول القبائل في الإسلام بكثرة.
  • أمن المسلمون مكر قريش، وصبّوا جلّ اهتمامهم على اليهود ومحاربتهم، فكانت غزوة خيبر بعد الصلح.
  • ساعد صلح الحديبية الرسول الكريم بإرسال الرسل إلى الملوك الأعاجم كملك الروم وملك الفرس وغيرهم ليدعوهم للإسلام.
  • مكّن صلح الحديبية المسلمين من التجهيز لغزوة مؤتة وهي أول غزوة تكون خارج الجزيرة العربية وبهذا تكون أول خطوة للتوسّع في نشر الدعوة الإسلامية.
  • مفاوضات صلح الحديبية جعلت حلفاء قريش يتقربون من المسلمين ويميلون لهم ويفقهون ما جاء به النبيّ الكريم مما سمح بدخول عدد أكبر منهم في الإسلام.
  • ومن أهمّ النتائج أنّ الصلح كان الطريق لفتح مكة وعودة المسلمين إليها.

مواقف بعض الصحابة من صلح الحديبية

تباينت مواقف الصحابة -رضوان الله عليهم- فيما يخصّ صلح الحديبية، فمنهم من استسلم للأمر الواقع ومنهم من عارض الصلح لكنّه أسرّها في نفسه، ومنهم من تكلّم وسأل عن سبب هذه الشروط، وورد في قصة صلح الحديبية بعضها:[٩]

  • من الجدير بالذكر في قصة صلح الحديبية أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يسعى للصلح أيضًا، فمن المواقف التي حدثت أثناء تدوين شروط صلح الحديبية أنّ الرسول الكريم قال لعليّ كما جاء في نص الحديث الشريف: " قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالَ سُهَيْلٌ: أمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ ما أدْرِي ما هو ولَكِنِ اكْتُبْ باسْمِكَ اللَّهُمَّ كما كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقالَ المُسْلِمُونَ: واللَّهِ لا نَكْتُبُهَا إلَّا بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبْ باسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قالَ: هذا ما قَاضَى عليه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، فَقالَ سُهَيْلٌ: واللَّهِ لو كُنَّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسولُ اللَّهِ ما صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ، ولَا قَاتَلْنَاكَ، ولَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: واللَّهِ إنِّي لَرَسولُ اللَّهِ، وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ"[١٠]
  • ومما ورد ذكره في قصة صلح الحديبية أنّه بعد أن انتهى عليّ -رضي الله عنه- من كتابة نص الإتفاق، أمر الرسول الكريم أصحابه أن يتحللوا من إحرامهم وذلك بأن يحلقوا شعرهم فما قام أحدٌ منهم، فأعاد ذلك عليهم مرةً أخرى فما قام أحد، ثمّ أعاد ما قاله فما قام أحد، فدخل على زوجته أم سلمة وقال: "ما لقيتُ مِن النَّاسِ قالت أمُّ سلَمةَ: أوَتُحِبُّ ذاك، اخرُجْ ولا تُكلِّمَنَّ أحدًا منهم كلمةً حتَّى تنحَرَ بُدنَكَ وتدعوَ حالقَك فقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فخرَج ولم يُكلِّمْ أحدًا منهم حتَّى نحَر بُدْنَه ثمَّ دعا حالقَه فحلَقه فلمَّا رأى ذلك النَّاسُ جعَل بعضُهم يحلِقُ بعضًا حتَّى كاد بعضُهم يقتُلُ بعضًا"[٣]
  • أمّا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقد رأى أنّ بنود الإتفاق فيها إجحافٌ بحقّ المسلمين، وقد جاء ذكر ذلك في نصّ الحديث الشريف عن قصة صلح الحديبية: "فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: فأتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقُلتُ: ألَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ، وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ، قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَسْتُ أعْصِيهِ، وهو نَاصِرِي، قُلتُ: أوَليسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ فَنَطُوفُ بهِ؟ قالَ: بَلَى، فأخْبَرْتُكَ أنَّا نَأْتِيهِ العَامَ، قالَ: قُلتُ: لَا، قالَ: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به، قالَ: فأتَيْتُ أبَا بَكْرٍ فَقُلتُ: يا أبَا بَكْرٍ أليسَ هذا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: أيُّها الرَّجُلُ إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وهو نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إنَّه علَى الحَقِّ، قُلتُ: أليسَ كانَ يُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ ونَطُوفُ بهِ؟ قالَ: بَلَى، أفَأَخْبَرَكَ أنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلتُ: لَا، قالَ: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به"[١٠]

المراجع[+]

  1. "أحداث صلح الحديبية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-03-2019. بتصرّف.
  2. سورة الفتح، آية: 18.
  3. ^ أ ب رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 4872، أخرجه في صحيحه .
  4. "صلح الحديبية وشروطه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  5. "صلح الحديبية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  6. "من الذي نقض صلح الحديبية؟!"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  7. "نبذة عن فتح مكة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 19-05-2019. بتصرّف.
  8. "صلح الحديبية وفقه المآلات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  9. "صلح الحديبية دروس وعبر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  10. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.