فقه الأولويات في الدعوة
فقه الأولويّات
إن ما يُعرف عن فقه الأولويّات بأنّه وضع كلّ شيء في مكانه المناسب بالعدل من الأعمال والقيم والأحكام، فيقدَّمُ الأهمُّ فالأهمّ ضمن معاييرَ شرعيّةٍ سليمةٍ يهدي إليها الشّرع الحنيف والعقل السّليم، وبذلك يقدّم ما حقّه التّقديم على غيره، ويؤخر ما حقّه التّأخير، بلا ظلم ولا طغيان! ولا بدّ أنْ من العلم أنّ التّكاليفَ والأحكامَ والقيمَ والأعمالَ غيرُ متساوية في نظر الشّرع، وليست كلّها في منزلة واحدة، فمنها الأركان ومنها السّنن، ومنها الأصليّ ومنها الفرعيّ، ومنها الكبير ومنها الصّغير، ومنها المرتفع ومنها المنخفض، ومنها المكروه ومنها المباح، وإنّ أيّ أمّة لا تدركُ أهميّة ترتيب أولويّاتها، ولا تهتمّ لما هو أولى من غيره، تبقى عاجزة عن اللّحاق بركب الحضارة.[١]
فقه الأولويّات في الدّعوة
لا بد من العلم أنّ فقه الأولويات في الدّعوة منهجٌ أصيل، من مناهج الأنبياء والرّسل -عليهم الصّلاة والسّلام- والصّحابة الكرام والتّابعين من بعدهم فقد تربّوا على منهاج النّبوة، والسّلف الصّالح، وجاءت دعوات الأنبياء ممكّنة لفقه الأولويّات في الدّعوة، ومراعية له، فشرع الله تعالى لهم سبل الدّعوة وطرائقها، وهداهم للّتي هي أقوم، فكان القرآن الكريم في عرضه لمسائل الدّعوة على هذا النّمط الرّباني الفريد يعدّ أضخم وأوثق مصدر للدّعوة عرفته البشريّة، فقد كان منهجه في بيان الدّعوة من خلال عرض قصص الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام مع أقوامهم، من خلال توجيه الله عزّ وجلّ لهم ليقوموا بالدّعوة كما يجب، وفيما هو حتميّ وعاجل، وليبدؤوا بأهمّ المهمّات، وأهمّ القضايا التي تعاني منها أممهم، وقد فقهوا فقه الأولويّات في الدّعوة، وساروا بدعوتهم خطوة خطوة، حتّى وصلوا بها إلى برّ الأمان، وممّا يدلّ على أنّ دعوات الأنبياء -عليهم الصّلاة والسّلام- راعت الأولويّات؛ اتّفاق مناهجهم ودعواتهم كلّها على أصل الأصول وأهمّ المهمّات وأوجب الواجبات، والمقدّم دائماً وأبداً هو الدّعوة إلى التّوحيد وتقرير العقيدة الصّحيحة.[٢]
صور من فقه الأولويّات في الدّعوة
لقد جاءت دعوة الإسلام بالتّدرّج، وبدأت بالأهمّ فالأهمّ، وتقديم الأصول على الفروع ومثال ذلك، حديث إرسال معاذ-رضي الله عنه- إلى اليمن والذي يصوّرالتّطبيق العمليّ والطّريقة المثلى لفقه الأولويّات في دعوة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، عندما قال لمعاذ: "إنّك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أنْ يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب".[٣]
فمن خلال الحديث النّبويّ السّابق نلاحظ كيف طلب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- من معاذ أن يتدرّج مع أهل اليمن في الدّعوة وأن يبدأ بالأهمّ فالأهمّ وألّا ينتقل من مطلب إلى آخر حتّى يتمّ تطبيقه دون تهاونٍ نقصان وأنّه بدأ، وذلك تلطّفًا بالدّعوة والخطاب، ولو أنّه طالبهم بالجميع دفعةً واحدة لما أمن من النّفرة، وشبيه هذا المثال أيضاً التّدرّج في تحريم الخمر في القرآن الكريم.[٤]المراجع[+]
- ↑ "فقه الأولويات: تعريفه وأدلته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "أولويات الدعوة"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 16-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1496، صحيح.
- ↑ "بماذا يبدأ من أراد الدعوة ؟ "، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 16-05-2019. بتصرّف.