قصة القط الذكي
قصة القط الذكي
كان ياما كان في في قديمِ الزّمان، وسالِف العصر والأوان، كان هناك أبٌ عجوزٌ على فراشِ الموت، وكان عنده ثلاثة أبناء، وقبلَ أن يموت قسّم أملاكَه بين أبنائه، فأعطى الكبيرَ المزرعة، وأعطى الأوسط المطحنة والحمار، وأعطى الصغير قطًّا مُدلّلًا كان يربّيه في بيته، وبعد أن مات الأب اقتسم الإخوة التَّرِكة، وحزِنَ الصّغير كثيرًا لأنّه لم يحظَ إلّا بالقطّ المدلّل، فما الذي سيستطيع فعله هذا القطّ سوى مطاردة فئران البيت؟! فقرّر أن يبيع هذا القطّ ويشتري بثمنه أيَّ شيء، ولكنّ القطّ هنا تدخّل ليمنع الولد الصّغير من أن يبيعَه، وقال له: لمَ أنت غاضب يا سيّدي، صحيح أنّني قطّ واسمي هرهور، ولكنّني سأثبت لك أنّك قد حصلتَ على أفضل ما ترك والدك، فتعجّب الولد من هذا القط وكيف يستطيع التحدّث مثل البشر! إذًا فهو ليس قطًّا عاديًّا، هذا قطّ ذكي، وستروي السّطور القادمة قصة القط الذكي هذا.
ذات يوم خرج القطّ وصاحبه إلى السّوق، ولم يكن صاحبه يملك من المال إلّا قليلًا، فقال له القط: سيّدي، أريدُ أن تشتري لي قبّعة حمراء اللّون، وجزمة باللونِ نفسه كذلك، فأنا قطّ نبيل ولا يليق بي أن أمشي في الطّريق مثل باقي القطط! فتعجّب صاحبه من كلامه، ولكنّه قال في نفسه إذا اشتريت له ما يطلب فلن يبقى معي أيّة نقود، فقاطع تفكيره القطّ وكأنّه علِمَ بمَ يفكّر صاحبه، وقال له: لا تفكّر كثيرًا يا سيّدي، فإذا اشتريت لي ما أطلب فسأعيد لك المال أضعافًا، وقبل ذلك سأدعوك إلى الغداء في مطعم لذيذ يقدّم وجباتٍ لذيذةً، فقرّر صاحبه أن يشتري له ما طلب، واشترى القطّ قبّعة وجزمة، وصار منظره يدعو إلى الضّحك؛ إذ لم يسبق لقطّ أن لبس قبّعة وجزمة، وصار النّاس ينظرون إليه بتعجّب، ومضى القطّ وصاحبه إلى مطعم البلدة، وطلبا ما لذّ وطاب من اللّحوم والدجاج المقمّر وعصير التّوت والرمّان.
وعندما فَرَغا من الطّعام جاء صاحب المطعم إليهما بالحساب، فقال له القطّ: اسمعني أيّها الرجل، ليس عندنا مال لنعطيك، ولكنّني أستطيع أن أقايضك بما شئت من طيور الغابة، فغضب صاحب المطعم كثيرًا، وقرّر احتجاز صاحب القطّ عنده إلى أن يعودَ القطّ من الغابة، وطلب صاحب المطعم من القط أن يأتيه بعشرة من طيور السمّان؛ فهذه الطيور لحمها لذيذ جدًّا، واصطيادها صعب جدًّا أيضًا، وفعلًا ذهب القط إلى الغابة، بينما بقي صاحبه رهينة عند صاحب المطعم، وقبل غروب الشّمس عاد القطّ يحمل على ظهره كيسًا مليئًا بطيور السمّان، فأعطى صاحب المطعم عشرة منها لقاء الطّعام الذي تناولاه وباعه الباقي، وعاد القطّ وصاحبه إلى البيت والسّعادة تغمرُهما، وعلم صاحب القطّ أنّه فعلًا خيرُ ما ترك له والده.
وفي اليوم التّالي ذهب القطّ إلى الغابة، وبِحيلته المعروفة أمسك بعشرين طيرًا من طيور السمّان، وذهب بها إلى قصر الحاكم؛ إذ أخبره صاحب المطعم أنّ الحاكم يحبّ هذه الطيور كثيرًا، وعندما وصل إلى بوّابة القصر طلب مقابلة الحاكم، ولكنّ الحرس منعوه، فقال لهم إنّه المبعوث الخاصّ لملك المدينة المجاورة، وعنده هديّة من طيور السمّان للحاكم، وعندما سمع الحاكم بذلك أمر أن يدخل إليه بسرعة، فدخل القطّ وحيّا الحاكم بتحيّة النبلاء، وقدّم له كيس طيور السمّان، ففرح الحاكم بذلك كثيرًا، وأمر أن يُسمح لهذا القط بالدخول إليه متى شاء، وصار القطّ يذهب كلّ يوم إلى الحاكم ويعطيه هديّة من طيور السمّان، وذات يوم طلب الحاكم أن يقابل صاحب القطّ الذي يرسل تلك الهدايا للحاكم، فقال له القطّ: أمهلني أيّامًا وسيأتيك سيّدي حبًّا وكرامة، وعندما عاد القط وروى لصاحبه ما دار في قصر الحاكم جُنّ جنون صاحب القط، فقد شعر أنّه في ورطة لا مخرج منها؛ فإذا استطاع أن يأتي بثياب جديدة تشبه ثياب النّبلاء، فمن أين سيأتي بقصر يقابل فيه الحاكم؟! ولكنّ القطّ دائمًا لديه حلول للمشكلات، فقد سمع عن ضيعة يحكمها رجل ساحر ظالم، له قصر كبير مظلم، فقرر القط أن يذهب إلى القصر ويقابل الساحر ويهزمه ويأخذ القصر منه.
وذهب إليه بعد أن مرّ بالضّيعة وشاهد النّاس المظلومين الذين يحكمهم السّاحر، فازداد إصرارًا على هزيمته وتخليص النّاس من ظلمه، وعندما وصل إلى القصر فُتح له الباب وحده، فدخل القطّ برباطة جأش ونادى السّاحر، فظهر أمامه، فإذا به رجل عملاق مظلم الوجه، أحمر العينين، فقال للقط: ماذا تفعل في قصري، ألا تعلم أنّ الذي يدخل قصري مصيره الموت؟! أجاب القط: جئت لأخلّص النّاس من ظلمك يا عديم الرّحمة، وهنا ضحك السّاحر من جواب القط، فكيف لقط صغير أن يهزم ساحرًا عملاقًا؟! وهنا جاء دور حِنكة القط وذكائه للخروج من هذا المأزق، فقال للساحر: ولمَ تضحك؟! أعلم أنّك مخادع ولست ساحرًا، وأنّك تكذب على النّاس لتخيفهم بهذه القصة الكاذبة، فقال الساحر: بل أنا ساحر، فقال القط: لستَ كذلك، قال الساحر: بل أنا كذلك، قال القط: لا.
فجُنّ الساحر وقال: كيف تريد أن أثبت لك؟ قال القط: أريدك أن تتحوّل لتنّين عظيم، فقال السّاحر: لك ذلك، وفي لحظات تحوّل السّاحر إلى تنّين عملاق تخرج النّار من كلّ مكان منه، وبعدها عاد السّاحر إلى طبيعته، وقال للقط: هل اقتنعت الآن؟ قال القط: ليس كثيرًا، يبدو أنّك تعجز أن تكون حيوانات صغيرة، وهذا ضَعف في سحرك المزعوم، فقال الساحر: بل أستطيع، قال القط: أرِني كيف تتحوّل إلى فأر صغير، فتحوّل الساحر إلى فأر صغير، وقال للقط: هل صدّقتني، قال القط عليّ أن أعاينك أوّلًا.
واقتربَ منه، وفي لحظة أمسك به والتهمَه، ومات السّاحر وهو في هيئة الفأر، وخرج القط من القصر منتصرًا، وجاء بصاحبه وأسكنه قصر الساحر بعد أن زال عنه سحر الساحر، وعاد قصرًا جميلًا، وذهب القطّ إلى الحاكم وأخبره برغبة سيّده النبيل أن يزوره في قصره، فقال الحاكم: بل أنا من سيزور سيّدك في قصره، فقد تفضّل علينا كثيرًا بهداياه، وعندها ذهب القطّ سريعًا وأخبر النّاس الذي يعملون في الضّيعة أن يقولوا للحاكم إذا سألهم لصالح من يعملون إنّهم يعملون لصالح السيّد النبيل صاحب القط ذي الجزمة، وفعلًا كلّما مرّ الملك من جانب حقل سأل أصحابه لمن هذا؟ فيقولون هذا للسيد النبيل صاحب القط ذي الجزمة، ووصل الملك وأسرته إلى قصر الولد صاحب القط، وتعرّفا عليه، وأعجب الولد بابنة الملك، وخطبها من والدها، ووافق الملك وابنته، وتزوّجا وعاشا بسعادة، وكذلك القطّ أعجب بقطّة ابنة الملك وتزوّجها، وأنجبا قططًا صغارًا وعاش الجميع بسعادة وأمان.
العبرة من القصّة أنّ الإنسان عليه ألّا يستهينَ بأمر مهما رآه صغيرًا ولا فائدة منه، فلا يعلم المرء أين تكمن القوّة في الآخرين، وأيضًا على المرء أن يعلم أنّ الذكاء مع الحكمة هما أقوى سلاح يمتلكه، فالعملاق في قصة القط الذكي ظنّ أنّه سيتغلّب على القط بقوّته، ولكنّ القطّ اعتمد على ذكائه وأثبت له أنّ القوّة لا تكفي وحدَها للظفر، ولكنّ الذكاء مع قليل من القوة هو ما يحسمُ الأمور عادةً، وهذا ما كان في قصة القط الذكي.