سؤال وجواب

قصة النملة والصرصور


قصة النملة والصرصور

كان ياما كان، في قديمِ الزمان، وسالِف العصر والأوان، كان هناك نملة تعيشُ في غابة بعيدة، وكانت هذه النملة مثالًا للاجتهاد في العمل، والكدّ والتعب، كانت تعمل طوال فصل الصّيف وتجمع الطّعام وتخزّنه لتأكل منه في الشّتاء حيث البرد والأمطار والعمل فيه يكون صعبًا عادةً. وكان يعيش معها في الغابة نفسها صرصورٌ مستهترٌ مُهمل يقضي أوقاته في الغناء واللّعب، وقد حدثت بين النّملة والصّرصور قصّة مشهورة عُرفت باسم قصة النملة والصرصور.

ذات ليلة باردة في فصل الشّتاء كانت النّملة تجلس قرب المدفأة، وإذا بالباب يُقرع، فقالت النّملة: من؟ قال الصّرصور: أنا الصّرصور يا جارتي العزيزة، قالت النملة: ما لك؟ قال الصّرصور: يا جارتي العزيزة، وصديقتي الوفيّة، يا مثال النّشاط والعنفوان والهمّة، يا صديقتي أنا جائع الآن، وليس عندي طعام كما تعلمين، ولم أدّخر طعامًا في الصّيف، ومضى الصّيف وجاء الشّتاء وما كان عندي من طعام نفِدَ، وليس في بيتي كسرة خبز تقيني ألمَ الجوع، وتعلمين أنّ العمل في الشّتاء والبرد أمر صعبٌ جدًّا، فهل تسدينَ لي خدمة وتعطينني قليلًا من القمح أسدّ به رمَقي، وأعدك أن أعيد لك هذا الدّين في فصل الصّيف إن شاء اللّٰه تعالى.

قالت النّملة: إنّك تعلم أنّ العمل في الشّتاء أمرٌ صعبٌ جدًّا وشاقّ، وتعلم أيضًا أنّ العمل في الصّيف هو العمل الحقيقيّ، وتعلم أنّني قد جمعتُ ما جمعتُ من طعام ومؤونة في فصل الصّيف، والآن أنا متفرّغة للقراءة والمطالعة، وإنّ الصّيف ثلاثة أشهر، أعملُ فيه كلّ عام وأستريح فيما بعده، بينما أنت تغنّي وتلهو وتستمتع بهدوء في ليلٍ الصّيف مع أنّ هدوء الشّتاء أكبر، وترتاح في الصّيف بينما الجميع يعملون حتّى البشر، والآن تريد منّي دينًا إلى فصل الصّيف، ومن يضمنكَ لي؟ بل من يضمن أنّك ستعملُ في الصّيف أم تلهو كعادتك؟ أتذكرُ حين رأيتكَ وقلتُ لك: يا صرصور، اذهب واعمل ولا تؤجّل عمل اليوم إلى غد، فأجبتني هازئًا: لا تؤجّل عمل اليوم إلى غد، إذا كان بإمكانك تأجيله إلى ما بعد بعد غد! فانظر إلى نفسك الآن كيف تقف أمامي بمنظر يُرثى له، وانظر إلى سخريتك إلى أين أوصلتك! لن أعطيكَ شيئًا، بل اذهب واعمل طيلة فصل الشّتاء لتأمين قوت يومك، وانظر إلى ضفّة النّهر هناك، ثمّة قصب سكّر لذيذ، اذهب وتناول منه ما يكفيك، ثمّ عد في كلّ يوم في البرد والمطر لتأكل منه، لعلّ ذلك يكون لك درسًا لئلّا تؤجّل عمل الصّيف إلى الشّتاء. قال الصّرصور: ولكن يا نملة الجوّ بارد جدًّا، قالت: هذه مشكلتك وليست مشكلتي، وذهب الصّرصور حزينًا في البرد والأمطار ليأكل ما يعينه على العمل، وتذكّر أنّ كلام النّملة صحيح، وأنّ الحقّ عليه فيما يحدث معه، وقرّر منذ ذلك اليوم ألّا يؤجّل عمله إلى غير وقته، فلن يأتي وقتٌ للعمل خيرٌ من وقته المعلوم.

والعبرة من قصة النملة والصرصور أنّ المرء عليه ألّا يؤجّل أعماله إلى غير وقت؛ فربّما لن يستطيع إنجازه فيما بعد، والأمر الآخر هو التصرّف بعقل في الأمور المصيريّة وعدم الانجرار وراء العاطفة، فلو أنّ النّملة انجرّت وراء عاطفتها وأشفقت على الصّرصور وأعطته طعامًا يكفيه في فصل الشّتاء لما كان ليعمل، ولبقي طوال حياته يلعب في الصّيف ويطلب الطّعام من النّملة في الشّتاء، ولكنّ النّملة تصرّفت بعقل وحكمة وذكّرته بلهوه، وكيف أنّها الآن لا تعمل شيئًا سوى القراءة والتعلّم، بينما هو اضطر إلى أن يعمل في البرد، وهكذا أخذ الصّرصور درسًا قاسيًا جدًّا، ولكنّه تعلّم منه، ولن يعود إلى اللهو في الصّيف، وهذه العبرة التي كانت في قصة النملة والصرصور.